في موسم مزدحم بالمباريات وتحديات متعددة، اتخذ المدير الفني الألماني هانز فليك قرارًا استراتيجيًا حاسمًا لمواصلة المنافسة على الألقاب المحلية والأوروبية مع برشلونة، والمتمثل في سياسة المداورة.
منذ توليه القيادة الفنية للنادي الكتالوني، أظهر فليك قدرة متميزة على إدارة اللاعبين وتحقيق نتائج إيجابية بالرغم من التغييرات المستمرة في التشكيلة.
وفي المباراة الأخيرة لبرشلونة ضد ريال بلد الوليد ضمن الجولة 34 من الدوري الإسباني والتي فاز بها البارسا بنتيجة (2-1)، أجرى المدير الفني هانز فليك 9 تغييرات في التشكيلة الأساسية مقارنةً بالمباراة السابقة.
وجاءت هذه المداورة الواسعة استعدادًا لمواجهة إنتر ميلان في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، الثلاثاء المقبل، ولتخفيف الضغط البدني عن اللاعبين الأساسيين في ظل الجدول المزدحم.
القرار الصعب
مع التراكم الكبير للمباريات في الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا، كان من الضروري على فليك أن يتخذ قرارات مهمة بشأن توزيع الجهد البدني بين اللاعبين.
وعلى الرغم من أن برشلونة يعج باللاعبين النجوم، مثل ليفاندوفسكي، ورافينيا، ولامين يامال، إلا أن فليك يُدرك تمامًا أن المداورة هي السبيل الوحيد للمحافظة على مستوياتهم البدنية والذهنية طوال الموسم.
هذا الخيار لم يكن سهلًا، لا سيما مع الضغط الكبير الذي يعانيه الفريق في البطولات المحلية والأوروبية.
وفي تصريح له بعد مباراة برشلونة ضد ريال مايوركا في الدوري، أكد فليك أنه مجبر على إجراء المداورة حفاظًا على اللاعبين الأساسيين، خصوصًا بعد فترة طويلة من المباريات المتواصلة، وعلق قائلاً: “الأمر ليس سهلًا، ولكن المداورة ضرورية لتجنب الإصابات وللحفاظ على جاهزية اللاعبين في المباريات القادمة، خاصة في دوري الأبطال.”
كان هذا التصريح من فليك هو دليل على إدراكه الكامل لأهمية إدارة المجهود البدني، بل وحرصه على استثمار هذه السياسة لضمان نجاح الفريق في نهاية الموسم.
تأثير واضح
على الرغم من التغييرات العديدة التي يجريها فليك في التشكيلة الأساسية، إلا أن الفريق لم يعاني بشكل ملحوظ من تراجع في الأداء.
فقد فاز برشلونة في العديد من المباريات الحاسمة على الرغم من إشراك لاعبين احتياطيين أو شبان، مثل داني أولمو الذي سجل هدفًا حاسمًا في مباراة ريال مايوركا بعد أن كان بديلاً.
في الحقيقة، كان هذا الفوز خير دليل على أن فليك ينجح في توظيف اللاعبين، الذين يقدمون مستويات متميزة عندما يتاح لهم الفرصة، ما يؤكد قوة منظومة الفريق تحت قيادته.
وأهم ما يميز سياسة فليك هو أنه عندما يكون الفريق في حاجة إلى النقاط، يحرص على إشراك اللاعبين الأساسيين في الأوقات المناسبة، حيث لا يتردد في الدفع بهم خلال الشوط الثاني أو بعد إجراء المداورة بين الشوطين.
وفي بعض الحالات، شهدنا تدخلات فليك بإدخال النجوم مثل ليفاندوفسكي في آخر دقائق من المباريات لزيادة الفعالية الهجومية، مثلما حدث ضد ريال بلد الوليد حيث أجرى مداورة شاملة للفريق إلا أنه بعد التراجع في النتيجة بهدف قرر الدفع بالعناصر الأساسية مثل يامال ودي يونج ورافينيا وقلب النتيجة من التأخر بهدف للفوز بهدفين.
منظومة ذكية
من الأمور التي تلفت الأنظار في مداورة فليك هي اعتماده على سياسة التبديل حتى في حراسة المرمى.
الحارس الألماني مارك أندريه تير شتيجن، الذي غاب لفترة طويلة بسبب الإصابة، عاد إلى التشكيلة أمام بلد الوليد بعد غياب شهور.
هذا القرار لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى أن فليك سعى لتجهيز تير شتيجن في الأمتار الأخيرة من الموسم، ومنح بعض الراحة لتشيزني الذي يقاتل في كل المنافسات.
وفي تصريح آخر، قال فليك: “حتى الحارس يجب أن يحصل على الراحة الكافية، خاصة بعد موسم طويل ومتطلب مثل هذا الموسم.”
هذا التحول في سياسة المداورة للحراس سيساعد في تحسين أداء الفريق على المدى الطويل، حيث أظهر تير شتيجن عودة جيدة بعد فترة من الغياب، وهو ما يُعتبر دليلًا آخر على المنظومة التي يطبقها فليك لتحقيق أقصى استفادة من جميع اللاعبين.
الطريق نحو الثلاثية
من الواضح أن فليك قد نجح في وضع الأساس لإدارة الفريق بشكل مثالي منذ بداية الموسم، حيث يُظهر الفريق استقرارًا استثنائيًا في الأداء على الرغم من المداورة الواسعة في التشكيلة.
ولا شك أن هذا التكتيك يعكس قوة المنظومة التي بناها فليك، التي لا تعتمد على الأسماء فقط، بل على كيفية التعامل مع كل عنصر داخل الفريق لتحقيق التوازن بين الجوانب البدنية والفنية.
وحاليًا، يواصل الفريق السير نحو الثلاثية هذا الموسم، حيث يقترب برشلونة من نهائي دوري أبطال أوروبا، وتبقى أمامه الفرصة للتتويج بالليجا وذلك عقب تتويجه بطلا لكأس ملك إسبانيا منذ أيام.
وهذه المنظومة الذكية للمداورة قد تكون مفتاحًا رئيسيًا في تجاوز أي عقبات قد يواجهها الفريق في طريقه نحو تحقيق الألقاب.
وإجمالا، تُعتبر سياسة المداورة التي يتبعها هانز فليك مع برشلونة أحد أهم العوامل التي ساعدت الفريق على الحفاظ على التنافسية في جميع البطولات التي يشارك فيها.
وبفضل التوازن بين راحة اللاعبين الأساسيين وضرورة إشراكهم في المباريات الحاسمة، يُظهر الفريق قدرة استثنائية على التعامل مع ضغط المباريات، وهو ما يجعل فليك يُعد أحد المديرين الفنيين القادرين على إدارة المنظومات الكبرى بذكاء وتخطيط محكم.