مودريتش .. من صقيع المخيم إلى دفء النجومية .. محمد البحري – الرياضة نت
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On YoutubeCheck Our Feed

مودريتش .. من صقيع المخيم إلى دفء النجومية .. محمد البحري

كأن جزءًا من روح ريال مدريد ترحل مع وداع الأمير الكرواتي مودريتش، لاعب الأمان في لحظات الشك، صاحب الحضور الملهم، النحيف الأثقل، كنا نعلم أن للفراق موعدا يا لوكا؛ لكننا لم نستعد له.
لوكا سنفتقدك في كل مباراة، في كل هتاف، في كل وقت نعيشه مع الريال.
كان البرنابيو يحتفي بك فرحا، والجماهير تهمس باسمك كما تهمس الريح بأسرارها.
قلنا كيف نحتمل غيابك وأنت حكاية تسكن أركان البرنابيو، كل تمريرة منك رسالة حب، وجبة متزنة السعرات، ترنيمة تسكن الفجر وتشرق في عتمة الليل.
في ذلك اليوم، ارتدت السماء وشاحًا رماديًا فوق مدريد ، استعدت قبلنا لحزن كبير، الرجل الذي يتحدث كرة القدم ببراعة لا توصف، سيغادر.
لم تكن صفقة ريال مدريد مع القادم من توتنهام مدوية، صفقة تسودها الضبابية، تحوم فوقها وتحتها الشكوك.
لوكا الطفل الصغير حمل حلمًا أكبر من جسده الهزيل، كافح من أجل البقاء في عالم مزقته الحروب، كان صوت القنابل يحاصر طفولته، لكنه وجد في ركلاته للكرة ملاذًا عن كل ما حوله، عاش في مخيم اللاجئين، في خيمة تضج بالصقيع، مع أُناسًا يشبهون أطيافا تمشي في الظلام.
طارد لوكا في مدريد كرامته، حلمه، ذكرياته في المخيم، وأصوات الأطفال الذين عاشوا معه تلك المأساة
الحقيقة أن مودريتش لم يودع ناديه، بل إنسان ودع صبيًا عاش في قلبه، صبيٌ لم يفقد الأمل يومًا، وعلّمنا جميعًا أن القلب الذي يعرف الألم هو أكثر القلوب قدرة على كتابة التاريخ.
حمل الفتى النحيل كل جروح طفولته، آماله. وعندما خطى في البرنابيو لأول مرة، شعر أن هذا المكان هو وعد الطفولة الذي انتظره طويلاً، في مدريد، لم يكن مجرد لاعب، بل كان روحًا تبحث عن نفسها، أصبح صانع ألعاب لا يرحم، يكتب القصائد بلمساته السحرية، ينسج الأهداف وكأنها أغانٍ يسكب فيها وجعه.
وهو يرمق جماهير البرنابيو، بعيون دامعة، كان لوكا الولد الذي فر من صوت المدافع إلى ضوء الأحلام، من رائحة البارود إلى دوي التصفيق، يودع نفسه قبل كل شيء.
في تلك الوداعية يدرك لوكا أنه لم يغادر حقيبة تحمل فانيلة بيضاء وحذاء، بل يغادر وهو يحمل في قلبه ذاكرة مدينة، نبض جمهور، يحمل معه نظرات زملائه الذين لعبوا بجواره وآمنوا به حين بدا كصفقة فاشلة في الريال، سيتذكر كل ضحكة في غرفة الملابس، كل عناق بعد هدف، وسيتذكر دائمًا نادٍ بحجم الريال.

التصنيفات: ميادين