“سأذهب ولكني سأعود”، كانت تلك الكلمات التي كتبها نيمار على جدار غرفة تبديل الملابس في ملعب “فيلا بلميرو” عام 2013 قبل عبور المحيط الأطلنطي للانضمام إلى برشلونة.
وقتها كان نيمار في عامه الـ 21 عامًا، وكان ينظر إليه كونه موهبة مشرقة تخرجت من نفس الأكاديمية التي أنجبت الأسطورة بيليه، كان البرازيليون يأملون أن يقودهم نحو أول لقب كأس عالم على أرضهم في 2014، لمحو مرارة خسارة 1950، وأن يصبح أول لاعب برازيلي يفوز بالكرة الذهبية منذ كاكا في 2007، وكما نعلم الآن، لم يتحقق أي من ذلك.
صحيح أن نيمار فاز بدوري أبطال أوروبا وسبعة ألقاب في الدوريات الأوروبية المختلفة، كما حطم رقم بيليه كأفضل هداف في تاريخ المنتخب البرازيلي، وهي إنجازات لا يستهان بها، إلا أن غياب التتويج الفردي كأفضل لاعب في العالم، وعدم فوزه بأي لقب كبير مع المنتخب سوى الأولمبياد، جعله دائمًا عرضة لاتهامات بعدم تحقيق كامل إمكانياته.
الجفاء بعد الوفاء بوعد العودة
عاد نيمار إلى سانتوس، ليوفي بوعده. فبعد مشاركته في سبع مباريات فقط في الدوري السعودي مع الهلال، عاد إلى البرازيل أكثر ثراء، وما يزال أغلى لاعب في تاريخ اللعبة، ووقّع عقدًا لمدة خمسة أشهر مع سانتوس في يناير/كانون الثاني الماضي، وشارك لأول مرة في مباراة ضمن بطولة ولاية ساو باولو وسط تصفيق حار من الجماهير.
وبعد مرور عدة أشهر على تلك العودة الحماسية، بدأ الجفاء يتسلل بين نيمار وجماهير النادي. فرغم لمحات من موهبة نيمار القديمة، كهدف الفوز ضد فلامنجو المتصدر الشهر الماضي، فإن نتائج الفريق سرعان ما انهارت مجددًا بخسارة (0-3) أمام ميراسول (الذي أكمل المباراة بـ10 لاعبين)، ثم (1-2) أمام إنترناسيونال، ومع خمس انتصارات فقط في 17 مباراة هذا الموسم، بدأ شبح الهبوط يلوح في الأفق لفريق عاد مؤخرًا فقط إلى دوري الأضواء.
نقطة فاصلة مع جماهير سانتوس
كانت الهزيمة أمام إنترناسيونال قبل أسبوعين نقطة فاصلة في علاقة نيمار بجماهير سانتوس، فبينما كانت النتيجة (2-0) لصالح الضيوف، سجل سانتوس هدفًا في الدقيقة 91، ثم ظن نيمار أنه أدرك التعادل في الدقيقة 95 بعد تسديدة رائعة احتفل بعدها بركل راية الركنية. لكن الهدف أُلغي، وخسر سانتوس، وانتهى الأمر بمشادة علنية بين نيمار وأحد الجماهير بعد صافرة النهاية.
استدعى نيمار المشجع إلى جانب الملعب، وتم تسجيل النقاش بالكاميرا، وقال المشجع: “أهانني وطلب مني أن أخرس، وقال إنه إن كنت رجلاً فعلي أن أذهب لغرفة الملابس، أنا فقط طلبت منه، كقائد، أن يُظهر التزامًا وروحًا وقتالية. لم أفهم سبب غضبه الشديد، أحضر المباريات دائمًا، وكنت مع ابني وابن أخي، وتعرضنا للاعتداء من بعض المشجعين بعد المشادة، حاول أحدهم صفع وجهي، وأصيب ابن أخي بكدمة خفيفة، نيمار وضعنا في مواجهة مع الجماهير، هو مثلي الأعلى، وأحببته كثيرًا، وأدخل الفرح إلى قلبي، لكنه في هذه العودة مخيب للآمال”.
من جانبه، نفى نيمار هذه الرواية، مؤكدًا أن للجماهير الحق في انتقاد أدائه، لكن دون تجاوز الحدود، موضحا: “من حقهم إبداء الرأي إن كنت ألعب بشكل جيد أو سيء، لكن ليس من حقهم إهانتي، أن يقولوا إنني مرتزق، أو أن يهاجموا عائلتي وأصدقائي، هذا غير مقبول. آسف، لكن من الصعب التحكم في النفس حينها”.
هل حول نيمار سانتوس لنادي شاطئي؟
بغض النظر عما جرى في تلك المباراة، فقد بدا المشهد سيئًا لنيمار، حيث تعرض بالفعل لعدة انتقادات مؤخرًا، أبرزها غيابه عن خسارة فريقه في نصف نهائي بطولة ولاية ساو باولو أمام كورينثيانز بسبب الإصابة، رغم ظهوره في الكرنفال بمدينة ريو قبل أيام فقط.
فضلا عن ذلك سخر منه كثيرون بعد محاولته التظاهر بالإحماء خلال المباراة ثم الجلوس بعد لحظات، وتفاقمت الصورة السلبية بعد تصريحات والده بأن نيمار عاد إلى سانتوس “ليتعافى”، وأن اللعب مجرد “إضافة”.
وانتقد وولتر كاساجراندي المحلل البرازيلي، نيمار ووالده، واتهمهما بتحويل سانتوس إلى “نادي شاطئي”، أما المشجع والمعلق الرياضي فيليبي نورونيا، فقد قدم رؤية أكثر توازنًا لما قدمه نيمار في فترته الثانية مع الفريق.
وعلق نورونيا: “النجاح جاء خارج الملعب، بيع القمصان، زيادة المتابعين، وصول رعاة كبار، أما داخل الملعب، فلم يحقق ما كان يحلم به مشجعو سانتوس، صحيح أن توقع الألقاب كان مبالغًا فيه، لكن الجماهير كانت تنتظر عددًا أكبر من الانتصارات وأداءً أفضل، حين يعود لاعب إلى البرازيل ويتقاضى راتبًا ضخمًا، نتوقع منه مستوى أعلى”.
ومدد سانتوس عقد نيمار حتى نهاية العام، لكن مع فتح سوق الانتقالات الأوروبية، ترددت الشائعات عن عودته إلى أوروبا. غير أن نورونيا لا يتوقع حدوث ذلك، قائلاً: “أعتقد أن السوق الأوروبي قد أغلق أبوابه أمامه، قد أكون مخطئًا، لكن من خلال مراقبة طريقة عمله وما تتطلبه الأندية الأوروبية الكبرى، هناك فجوة بين الطرفين”.
إثبات الموهبة بعد فقدان الأمل
بينما فاز نيمار بجميع البطولات الكبرى الممكنة مع سانتوس في بداياته باستثناء لقب الدوري البرازيلي (سيري A)، كانت الجماهير تأمل في أن يكمل مجموعته من الألقاب هذه المرة، لكن بالنظر إلى مركز الفريق المتأخر، تراجعت الطموحات.
وعن ذلك يقول نورونيا: “الآن، يكفي أن نرى أداءً جيدًا وانتصارات، الجماهير لا تطلب أكثر من ذلك. الأفضل للجميع أن يبقى نيمار مع سانتوس حتى كأس العالم، لا يوجد نادٍ آخر سيمنحه الحرية والدعم الذي يجده هنا، إلا إذا هبط الفريق، في هذه الحالة، لا أعتقد أنه سيبقى”.
عزز سانتوس آماله في البقاء بعد فوزه (3-1) على جوفنتودي، الإثنين الماضي، وسجل نيمار هدفين، ليرفع رصيده إلى 3 أهداف في 9 مباريات بالدوري منذ عودته، وعند سؤاله بعد اللقاء عما إذا كان يعتقد أن أداءه قد أعجب طاقم المنتخب البرازيلي الحاضر في المباراة، أجاب: “يا رجل، أنا لا أحتاج أن أثبت شيئًا لأحد”.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يسجل فيها نيمار، ثنائية منذ أن فعل ذلك مع المنتخب البرازيلي ضد بوليفيا في سبتمبر 2023.
كما أنهى نيمار اللقاء بأعلى عدد من الإحصائيات في المباراة، حيث تصدر عدد التسديدات (ست، بالتساوي مع باريال)، وصناعة الفرص (خمس فرص)، وعدد الالتحامات الثنائية (17 التحامًا).
ونفذ 26 تمريرة في الثلث الهجومي الأخير من الملعب، أكثر من أي لاعب آخر على أرضية الميدان، بينما لم يتفوق عليه في عدد التمريرات المكتملة سوى كايكي (45 تمريرة) وجادسون (44 تمريرة) من فريق جوفنتودي، فيما أكمل نيمار 40 تمريرة.
وسجل النجم البرازيلي حتى الآن ثلاثة أهداف في تسع مباريات مع سانتوس في الدوري البرازيلي لموسم (2025-2026)، ويبدو أنه بات جاهزًا للعودة إلى صفوف المنتخب الوطني خلال مواجهات سبتمبر/ أيلول المقبل.
نيمار يطرق باب السيليساو مجددا
لم يشارك نيمار مع “السيليساو” منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين تعرض لتمزق في الرباط الصليبي الأمامي والغضروف في مباراة ضد الأوروجواي.
وكان المدرب السابق دوريفال جونيور قد استدعاه إلى قائمة المنتخب في مارس، لكنه قرر حينها عدم المشاركة في المباريات من أجل التركيز على استعادة لياقته البدنية مع سانتوس.
ومن المقرر أن يواجه منتخب البرازيل كلاً من تشيلي وبوليفيا الشهر المقبل في تصفيات كأس العالم، رغم أنه قد ضمن بالفعل تأهله إلى البطولة التي ستُقام في الصيف المقبل، والتي تعد آخر فرصة لنيمار للتتويج باللقب.