في المؤتمر الصحفي الذي سبق ديربي الليجا بين ريال مدريد وجاره أتلتيكو، وُجه سؤال مباشر لتشابي ألونسو، مدرب الفريق الملكي، حول ما إذا كانت المنافسة بينه وبين هانز فليك، مدرب برشلونة، تشبه الصراع التاريخي بين بيب جوارديولا وجوزيه مورينيو.
ورغم أن السؤال حمل في طياته مقارنة مثيرة بين مرحلتين مختلفتين من تاريخ الليجا، إلا أن ألونسو اختار الهروب الدبلوماسي، مجيبًا بجملة عامة عن صعوبة الفوز وضرورة الاتساق في الأداء، دون أن يخوض في جوهر المقارنة.
لكن السؤال لم يكن عابرًا، بل أعاد إلى الأذهان واحدة من أكثر الفترات اشتعالًا في تاريخ الكرة الإسبانية، حين دخل مورينيو إلى الليجا في موسم 2010/2011، ليواجه مشروعًا كرويًا استثنائيًا بقيادة بيب جوارديولا، ويحول الكلاسيكو إلى ساحة حرب نفسية وتكتيكية، امتدت آثارها إلى الصحافة والجماهير وحتى غرف الملابس.
في المقابل، يعيش ريال مدريد اليوم تحت قيادة ألونسو مرحلة مختلفة تمامًا، سواء من حيث الأسلوب أو الشخصية أو طبيعة المواجهة مع برشلونة، الذي يقوده هانز فليك بأسلوب يُعيد إلى الأذهان هيمنة برشلونة في عهد بيب، ولكن بلمسات ألمانية أكثر مباشرة وصرامة.
ألونسو في مواجهة الهيمنة البرشلونية
في الموسم الماضي، فرض فليك سيطرة شبه مطلقة على مواجهات الكلاسيكو، حيث نجح في الفوز بجميع المباريات الرسمية أمام ريال مدريد، بما في ذلك مواجهات الدوري والكأس والسوبر، مسجلًا ما مجموعه 16 هدفًا في شباك الميرينجي، ومحرجًا دفاعاته في أكثر من مناسبة.
ولم تقتصر الهيمنة على النتائج فقط، بل امتدت إلى الأداء، حيث بدا برشلونة أكثر تنظيمًا، وأسرع في التحولات، وأكثر قدرة على التحكم في إيقاع المباراة، وهو ما جعل الكثيرين يرون في فليك امتدادًا تكتيكيًا لجوارديولا، ولكن بأسلوب أكثر حدة وأقل رومانسية.
في مواجهة هذا المدّ، لم يلجأ ألونسو إلى الصدام، ولم يحاول خلق معركة نفسية كما فعل مورينيو من قبل، بل اختار طريقًا مختلفًا تمامًا، يقوم على البناء الهادئ، والتحليل العميق، والتدرج في تطوير الأداء الجماعي.
فبينما كان مورينيو يواجه التيكي-تاكا بالضغط العالي واللعب المباشر والتحفيز النفسي، يراهن ألونسو على الاتساق، وعلى فلسفة تكتيكية ترى في التوازن والمرونة سلاحًا لمواجهة الهيمنة.
ليس مورينيو الجديد!
ولعل الفارق الأبرز بين الرجلين يكمن في طريقة تعاملهما مع الضغط، فمورينيو كان يخلقه عمدًا، ويستخدمه كأداة لتحفيز لاعبيه، بل وكان يتعمد إشعال التصريحات الإعلامية ليحول كل مواجهة إلى معركة وجود.
أما ألونسو، فيبدو أقرب إلى الفلاسفة، يتجنب الضجيج، ويحلل اتجاه الرياح، ويعيد ضبط الأشرعة بهدوء، مؤمنًا بأن كرة القدم تُكسب بالعقل قبل العاطفة.
ورغم أن مورينيو نجح في كسر هيمنة برشلونة في بعض اللحظات، أبرزها نهائي كأس الملك 2011، إلا أن مشروعه كان قائمًا على رد الفعل، وعلى خلق حالة نفسية مضادة، أكثر من كونه مشروعًا تكتيكيًا متكاملًا.
في المقابل، يسعى ألونسو إلى بناء مشروع طويل الأمد، لا يكتفي بكسر الهيمنة في مباراة أو اثنتين، بل يهدف إلى استعادة التوازن عبر تطوير منظومة لعب متماسكة، قادرة على المنافسة دون الحاجة إلى الصراعات الجانبية.
ومع اقتراب موعد الكلاسيكو الجديد، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يستطيع ألونسو أن يوقف فليك دون أن يتخلى عن هدوئه؟ وهل تكفي الفلسفة وحدها لمواجهة مشروع برشلونة الذي يزداد قوة؟ الإجابة ستأتي من الملعب، لكن المؤكد أن ريال مدريد اليوم لا يشبه ريال مورينيو، وأن ألونسو لا يشبه الرجل الذي كان يحوّل كل مواجهة إلى معركة إعلامية.