في الوقت الذي ينتظر فيه جمهور اتحاد جدة انطلاقة عهد جديد مع المدرب البرتغالي سيرجيو كونسيساو، يلوح في الأفق شبح مألوف بات مصدر قلق لكل من جلس على مقعد قيادة العميد خلال الفترة الأخيرة: كريم بنزيما.
فالنجم الفرنسي، القادم إلى جدة وسط ضجة عالمية صيف 2023، لم يصبح فقط الواجهة الهجومية للفريق، بل تحوّل إلى اسم يرتبط دومًا بخلافات داخلية وانقسامات أدت في النهاية إلى سقوط أكثر من مدرب.
واليوم، يدخل كونسيساو التحدي الأصعب في مسيرته، حيث لا يقتصر طموحه على استعادة الأمجاد المفقودة، بل عليه أيضًا كسر “لعنة بنزيما” التي أجهزت على ثلاثة مدربين متتالين.
البداية الجديدة
أعلن الاتحاد رسميًا، اليوم الأربعاء، تعاقده مع البرتغالي سيرجيو كونسيساو لتولي القيادة الفنية للفريق الأول خلفًا للفرنسي لوران بلان، الذي أقيل من منصبه بعد تراجع النتائج في الموسم الجاري.
ونشر النادي مقطع فيديو عبر حسابه الرسمي في منصة “إكس”، ظهر خلاله كونسيساو وهو يلعب الشطرنج في لقطة رمزية تعكس فلسفته القائمة على التخطيط والذكاء، قبل أن يقول بثقة: “الانتصار ليس خيارًا، بل هوية تميزنا. المنافسون يتغيرون وأعوانهم يُهزمون، أما البطل فثابت وهو سيد اللعبة. أنا سيرجيو كونسيساو، جئت لصناعة المجد مع الاتحاد”.
لكن ما ينتظر المدرب البرتغالي في جدة لن يكون مجرد مباراة شطرنج، بل معركة نفسية داخل غرفة الملابس عنوانها: كيف يتعامل مع كريم بنزيما؟
نونو سانتو.. البداية الغاضبة
القصة بدأت مع البرتغالي نونو سانتو، الذي أقيل في تشرين الثانى/نوفمبر 2023 رغم قيادته الاتحاد لتحقيق لقبي دوري روشن وكأس السوبر السعودي في الموسم السابق.
ورغم أن النتائج كانت سببًا ظاهرًا للرحيل، إلا أن الكواليس كشفت عن أزمة كبيرة بينه وبين بنزيما، بلغت ذروتها بعد الخسارة أمام القوة الجوية العراقي في دوري أبطال آسيا.
ووفقًا لشبكة “ريليفو” الإسبانية، حدثت مشادة لفظية حادة بين الطرفين في غرفة الملابس، بعدما اتهم سانتو لاعبه بعدم الانسجام مع المجموعة، ليرد الفرنسي بعنف لفظي أمام زملائه، ما جعل العلاقة بينهما غير قابلة للإصلاح.
جاياردو.. التمرد الفرنسي
لم يكد الفريق يلتقط أنفاسه حتى دخل في مرحلة جديدة من الفوضى مع الأرجنتيني مارسيلو جاياردو، الذي حاول فرض الانضباط منذ يومه الأول، لكنه اصطدم سريعًا بالنجم الفرنسي.
تأخر بنزيما في العودة من إجازته الشتوية في كانون الثانى/يناير 2024، فقرر جاياردو استبعاده من معسكر الفريق في دبي وإلزامه بتدريبات انفرادية في جدة، قبل أن يسحب منه شارة القيادة.
القرار فُسر داخل النادي بأنه رسالة حازمة لاستعادة الانضباط، لكنه أشعل الأزمة من جديد، ومع توتر العلاقة بينهما، جاءت الإقالة في أيار/مايو 2024.
اللافت أن بنزيما احتفل برحيل مدربه على طريقته الخاصة، بنشر مقطع فيديو على حسابه الرسمي في “إنستجرام” يظهر فيه وهو يسجل أهدافه بقميص الاتحاد، في إشارة واضحة إلى عودته بعد فترة من الغياب.
بلان.. سقوط مواطنه
حتى مواطنه الفرنسي لوران بلان لم يسلم من لعنة النجم المدريدي السابق، فعلى الرغم من تتويج الاتحاد تحت قيادته بلقبي الدوري السعودي وكأس خادم الحرمين الشريفين، فإن العلاقة بين الرجلين توترت مع مرور الوقت.
تقارير عدة أكدت أن بلان لم يكن راضيًا عن تأثير بنزيما في غرفة الملابس، وأنه واجه صعوبة في فرض سلطته الفنية أمام نجم بحجم وتاريخ المهاجم الفرنسي.
ورغم نفي الإدارة الاتحادية رسميًا تدخل بنزيما في قرار الإقالة، إلا أن الشكوك بقيت حاضرة في أذهان الجماهير، التي باتت تنظر إلى اللاعب باعتباره “صاحب الكلمة الخفية” في مصير المدربين.
عقد طويل ومشروع محفوف بالمخاطر
المدرب البرتغالي الجديد يدخل المشهد بعقد طويل الأمد يمتد حتى حزيران/يونيو 2028، بحسب ما ذكرته صحيفة “اليوم” السعودية، في خطوة تعكس رغبة الإدارة في بناء مشروع مستقر بعد سلسلة من التغييرات المتلاحقة.
الصحيفة أوضحت أن الإدارة درست عدة أسماء مرشحة، أبرزها لوتشيانو سباليتي وأوناي إيمري، قبل أن تستقر على كونسيساو بعد مفاوضات مكثفة خلال الأيام الماضية.
المدرب اصطحب معه طاقمًا فنيًا متكاملًا مكوّنًا من ستة مساعدين، بينهم جواو كوستا وسيرامانا ديمبيلي كمساعدين فنيين، وفابيو مورا، إضافة إلى مدربي الحراس ديامانتينو فيجيريدو وفيدران رونجي، ومحلل الأداء إدواردو أوليفيرا الذي سيتولى إعداد التقارير الفنية والتحليلية للفريق.
من جانبه، شدد الإسباني رامون بلانيس، المدير الرياضي للاتحاد، على أن المرحلة المقبلة تتطلب “روحًا جديدة” بعد موسم صعب على جميع المستويات.
وقال بلانيس في تصريحات للمركز الإعلامي بالنادي: “جئنا من موسم رائع حققنا فيه الدوري والكأس وصنعنا التاريخ. لكن الجدول المزدحم وضغط المباريات جعلا العودة إلى الانتصارات أكثر تعقيدًا”.
وأضاف: “رغم الصعوبات، نحن مستعدون ذهنيًا لما هو قادم. قرار إقالة بلان لم يكن سهلًا، لكنه جاء بدافع المصلحة العامة للفريق، وقد تم التعامل معه باحتراف واحترام”.
المعركة الحقيقية
الآن، يبدأ كونسيساو رحلته في جدة وهو يدرك أن مهمته لا تتعلق فقط بإعادة الاتحاد إلى قمة البطولات، بل بإعادة الانضباط إلى غرفة الملابس، حيث يجلس النجم الفرنسي الذي أطاح بثلاثة مدربين قبله.
المدرب البرتغالي معروف بشخصيته القوية ونهجه الصارم، لكنه سيحتاج إلى مزيج من الذكاء والمرونة ليحول بنزيما من “كابوس” إلى “قائد فعلي” داخل الملعب.
وفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ينجح كونسيساو في كسر لعنة بنزيما وقيادة الاتحاد نحو الاستقرار؟ أم أن الكابوس الفرنسي سيواصل مطاردة مدربي العميد واحدًا تلو الآخر؟
