قد لا تكون الحالة الراهنة في ليفربول، أزمة كاملة بعد، لكنها بالتأكيد جرس إنذار للفريق الذي تلقى 3 هزائم متتالية في جميع المسابقات.
صحيح أن خسارتي الدوري، جاءتا بأهداف قاتلة في اللحظات الأخيرة، وأن كل واحدة من هاتين النتيجتين، يمكن تبريرها على حدة، لكن السياق العام لا يمكن تجاهله، لأن الحقيقة أن ليفربول، رغم فوزه في أول 5 مباريات من الموسم، لم يكن يلعب جيدًا في أي منها.
المدرب الهولندي آرني سلوت، ما زال يعاني لإيجاد الصيغة المناسبة لتشكيلته، فيما يبدو أن اللاعبين الجدد لم ينسجموا بعد مع الفريق.
وبينما ظهر الموسم الماضي، فريق ليفربول، متماسكا ومنضبطا تكتيكيا، يقدم كرة قدم هادئة ومتحكما بها تنتهي غالبا بنتائج مضمونة مثل (2-0)، فإن هذا الموسم يشهد نسخة أكثر فوضوية وانفتاحا في وسط الميدان، وكأن الفريق يعيش مرحلة انتقالية متأخرة بعد رحيل يورجن كلوب.
مشكلات في الانسجام
إدخال أي لاعب جديد إلى منظومة مستقرة، أمر معقد بطبيعة الحال، حيث يحتاج الوافد إلى التأقلم مع البيئة الجديدة، بينما يتعين على زملائه التكيف مع أسلوبه.
ولذلك من الطبيعي أن يتراجع الأداء قليلا في المدى القصير، حتى في أنجح عمليات الانتقال.
ليفربول تفادى هذا الارتباك في صيف العام الماضي، حين اكتفى بالتعاقد مع الإيطالي فيديريكو كييزا، لكن هذا الصيف شهد إضافة 5 لاعبين دفعة واحدة، مما أحدث اهتزازًا واضحًا في التوازن.
وإلى جانب ذلك، يعيش النادي، أجواء حزن منذ الوفاة المأساوية للاعب دييجو جوتا، وكانت دموع محمد صلاح بعد صافرة نهاية المباراة الافتتاحية للموسم، تذكيرا صادقا بأن ليفربول ما زال ناديا في حالة حداد.
كرة القدم لا تتوقف بطبيعتها، لكن الأثر النفسي لفقدان جوتا، لا يمكن التنبؤ بمداه، وربما يظل يلاحق اللاعبين لشهور طويلة.
التغيير التكتيكي
في البداية، بدا أن المشكلة الكبرى تكمن في تحوّل التشكيلة من 4-3-3 إلى 4-2-3-1، لإتاحة المجال أمام النجم الألماني فلوريان فيرتز للعب كصانع ألعاب، لكن هذا التغيير قضى على التوازن الذي منحته ثلاثية الوسط، المكونة من ريان جرافينبرش وأليكسيس ماك أليستر ودومينيك سوبوسلاي.
وما زاد الطين بلة، أن ماك أليستر لم يستعد مستواه بالكامل بعد إصابته العضلية، بينما لا يزال فيرتز يبحث عن الانسجام مع زملائه.
ولذلك، عاد سلوت مؤخرًا إلى الطريقة القديمة (4-3-3)، ومع ذلك استمرت المشكلات نفسها، والمتمثلة في تفكك الدفاع بسهولة، وقلبي الدفاع يُتركان في مواقف معزولة، خاصة بعد تراجع مستوى إبراهيما كوناتي الملحوظ.
لماذا فقد ليفربول توازنه؟
السؤال الذي يشغل عقل المتابعين، هو “لماذا لم تعد منظومة الدفاع والوسط التي كانت مؤثرة الموسم الماضي تعمل الآن؟ الإجابة تأتي من عاملين رئيسيين.
ضغط ليفربول لم يعد كما كان، فالمنظومة التي ميّزت الفريق تحت قيادة يورجن كلوب، والمبنية على الضغط العالي المنظم، تراجعت فاعليتها بشكل ملحوظ.
ويذكّرنا ذلك بما حدث في موسم 2020-2021، حين فقد الفريق توازنه بعد تراجع جودة الضغط، وانتهى به الأمر ثالثا خلف مانشستر سيتي واليونايتد.
من ناحية ثانية، فإن الأظهرة الجديدة مختلفة تمامًا عن سابقتها، إذ تغيّر أسلوب اللعب كليًا بعد رحيل ترينت ألكسندر أرنولد، ودخول الثنائي الجديد ميلوش كيركيز وجيريمي فريمبونج.
غياب أرنولد المؤثر
كافحت كرة القدم الإنجليزية طويلا، لفهم طبيعة ألكسندر أرنولد لاعب ريال مدريد الحالي، فقد بدأ مسيرته كلاعب وسط، وكانت مهاراته الفنية والتمريرية، أقرب إلى لاعب محور أكثر منه ظهيرا.
فهو ببساطة أحد أفضل الممررين في إنجلترا، ولهذا ظن الكثيرون، أنه لاعب مُهدَر في مركز الظهير وأن مكانه الطبيعي هو خط الوسط.
لكن تجاربه في هذا الدور، لم تكن مقنعة، ربما لأن سنواته على الجانب الأيمن أعادت تشكيل شخصيته التكتيكية.
وفي المقابل، لم يكن أرنولد مدافعا تقليديا قويا، لم يتميز بالرقابة الفردية أو الافتكاك، وكان من السهل مراوغته مقارنة بأفضل أظهرة العالم، لكنه كان حالة فريدة من نوعها، لا تنطبق عليها القوالب التكتيكية المعروفة.
ففي كرة القدم الدولية، حيث يفضل المدربون، لاعبين جاهزين تكتيكيا بحكم ضيق الوقت، لم يكن أرنولد مريحًا للمدربين الإنجليز، لأنهم يريدون ظهيرًا أيمن يشبه الظهيرين التقليديين لا صانع ألعاب يتقدم على الخط.
التمريرات الطويلة وخلق التوازن
ما يفتقده ليفربول اليوم هو أمرين أساسيين كانا يُميزان أرنولد، الأمر الأول هو تمريراته الطويلة الدقيقة (30 إلى 40 ياردة) التي كانت غالبًا ما تُحرر صلاح على الجانب الأيمن، وتمنحه المساحة المثالية لاختراق الدفاعات.
والأمر الثاني هو دوره المحوري في البناء، إذ كان يتحول عند الحاجة إلى لاعب ارتكاز إضافي بجانب جرافينبرش، مما أعطى الفريق، توازنا فنيا وتكتيكيًا مذهلا.
أما جيريمي فريمبونج، القادم من باير ليفركوزن، فهو من نوع مختلف تمامًا؛ ظهير هجومي يحب الركض بالكرة أكثر من تمريرها، ويميل دائما إلى التقدم على الجناح الخارجي، لا إلى العمق.
ورغم أن هذا الأسلوب قد يخدم صلاح، الذي يفضل الدخول للعمق على المدى الطويل، فإن الفريق حاليًا يفتقد الانسجام والاتزان الذي كان يمنحه ترينت.
صلاح نفسه يعيش بداية موسم هادئة وغير مألوفة، إذ لم ينسجم بعد مع المهاجمين الجدد، ويبدو أنه يفتقد تمامًا للتمريرات التي كانت تأتيه من زميله الراحل عن الجبهة اليمنى.
التحدي القادم
من الطبيعي أن تواجه أي منظومة جديدة، مشكلات في بداياتها، خصوصًا بعد تغييرات واسعة بهذا الحجم، لكن اللافت أن المشكلة الأعمق لا تتعلق باللاعبين الجدد، بقدر ما تتعلق باللاعب الذي رحل.
فقد رحل أرنولد، ومعه طابع فني فريد من نوعه لا يمكن تعويضه بسهولة، فهو لاعب يمرر، يصنع التوازن، ويمنح الفريق، هوية تكتيكية لا تُقدّر بثمن.
وبينما يحاول سلوت، إعادة بناء الفريق على صورته الخاصة، سيظل ليفربول، في هذه المرحلة على الأقل، يدفع ثمن غياب اللاعب، الذي جعل من مركز الظهير الأيمن، دورًا تكتيكيا ثوريا لا مثيل له في كرة القدم الحديثة.