قبل 3 سنوات، دفع ليفربول مبلغًا أوليًا قدره 64 مليون جنيه إسترليني (86 مليون دولار) لضم داروين نونيز، المهاجم الشاب الذي لم يكن قد خاض سوى موسم واحد فقط حافل بالأهداف.
لم تؤت هذه المغامرة ثمارها، بل جاءت بنتائج عكسية، إذ يُعد الأوروجواياني الآن من بين أكثر الصفقات إحباطًا في تاريخ النادي.
ومن المثير للاهتمام، أن ليفربول التزم الآن بمبلغ أكبر للتعاقد مع مهاجم آخر، بسيرة ذاتية ربما أقل إثارة للإعجاب من نونيز عند انتقاله في عام 2022.
فلماذا يستعد الريدز لدفع 69 مليون جنيه إسترليني (92.7 مليون دولار) مبدئيًا لضم هوجو إيكيتيكي؟ وما فرص نجاحه في المكان الذي فشل فيه نونيز بشكل لافت؟ دعونا نستعرض واحدة من أكبر وأكثر صفقات الانتقالات إثارة هذا الصيف.
قرار كلوب الكارثي
بدأ ليفربول البحث عن مهاجم جديد قبل نهاية موسم 2021-22 بوقت طويل.
بالنسبة لفريق التوظيف في الريدز، كان هناك 3 مهاجمين شباب متميزين في أوروبا في ذلك الوقت – نونيز وألكسندر إيزاك وإيرلينج هالاند – وكان هذا الرأي مشتركًا بين كشافي المواهب في جميع أنحاء القارة.
كما كشف مؤخرًا إيان جراهام، المدير السابق لقسم الأبحاث في ليفربول، أن هالاند كان خارج نطاق ميزانية النادي، ما يعني أن الخيار كان بين إيزاك ونونيز.
فضل المدرب يورجن كلوب الأخير، لذا وقع الريدز مع الأوروجواياني، وثبت أن هذا القرار كان كارثيًا.
فبينما أثبت إيزاك نفسه كأحد أكثر المهاجمين رعبًا في الدوري الإنجليزي الممتاز بعد انضمامه إلى نيوكاسل قادمًا من ريال سوسيداد في أغسطس / آب 2022، أصبح نونيز أضحوكة، ومهاجمًا محبطًا للغاية يسخر منه الجميع بلا رحمة بسبب إنهاءاته السيئة.
لذلك، لم تكن رغبة ليفربول في بيعه هذا الصيف مفاجئة، فقد أُتيحت له العديد من الفرص لإثبات جدارته في آنفيلد، لكنه فشل في اغتنام أي منها.
فشل ضم إيزاك
ومع ذلك، سيكون من الظلم أن نكون قاسيين للغاية على كلوب لقيامه بشراء نونيز، فقد بدا المهاجم حقًا نجمًا واعدًا في بنفيكا.
كان ضخمًا وقويًا وسريعًا وسجل 34 هدفًا في 41 مباراة في جميع المسابقات خلال موسم 2021-22، علاوة على ذلك، سجل 6 من هذه الأهداف في دوري أبطال أوروبا، بما في ذلك هدف في كل من مباراتي ربع النهائي بين بنفيكا وليفربول.
بفضل أسلوبه المباشر والحركي ومزيج من السرعة والقوة، أرهق نونيز لاعبين مثل آندي روبرتسون وإبراهيما كوناتي، الذين كانا سعداء للغاية لرؤيته يتحول من خصم إلى زميل في الفريق بعد بضعة أشهر فقط.
بالطبع، سرعان ما تحولت الإثارة إلى حيرة، حيث أصبح من الواضح بشكل مؤلم أنه لا يمكن الاعتماد على نونيز لتسجيل الأهداف.
في هذا الصدد، يعتبر ليفربول محظوظًا لأنه من المرجح أن يسترد جزءًا كبيرًا من الأموال التي أنفقها على نونيز، حتى لو كان انسحاب نابولي من السباق للتعاقد معه ضربة لا يمكن إنكارها.
ومع ذلك، يبدو أن آمال ليفربول في تصحيح الخطأ من خلال التعاقد المتأخر مع إيزاك قد تلاشت، بعد أن رأى نيوكاسل أنه من الأفضل السماح للريدز بالتعاقد مع إيكيتيكي.
خيب هذا التطور آمال الكثير من المشجعين، الذين كانوا يتطلعون بشغف لرؤية المهاجم السويدي في نفس الفريق مع محمد صلاح وفلوريان فيرتز.
فإيزك، على عكس إكيتيكي، أثبت نفسه في الدوري الإنجليزي الممتاز، لا يمكن التشكيك في جودته بعد أن سجل 44 هدفًا في آخر 64 مباراة له في البريميرليج.
على النقيض من ذلك، لا يزال إيكيتيكي لاعبًا مجهولًا في نظر معظم مشجعي ليفربول، ولكن الأهم من ذلك أنه ليس كذلك بالنسبة لفريق التعاقدات في النادي.
طريق متعرج إلى القمة
ينبغي القول إن ليفربول لم يوجّه اهتمامه فجأة إلى إيكيتيكي بعد أن فشل في التعاقد مع إيزاك، فقد كان هدفًا طويل الأمد.
أول من علم باهتمام النادي باللاعب الفرنسي كانت وسائل الإعلام قبل نهاية موسمه الرائع في ألمانيا بفترة طويلة، لكن جميع الأندية الأوروبية الكبرى كانت تراقب تطوّره منذ أن بدأ في صنع اسم له في رين بعد فترة إعارة ناجحة للغاية مع فريق فيجلي الدنماركي في عام 2021.
في الواقع، حاول نيوكاسل التعاقد مع إيكيتيكي لأول مرة في يناير / كانون الثاني 2022، لكنه انضم إلى باريس سان جيرمان بدلًا من ذلك في الصيف نفسه، معترفًا أنه بصفته فرنسيًا، وجد إغراء باريس سان جيرمان مستحيل المقاومة.
في نهاية المطاف، كانت تلك الخطوة خطأ، لم يكن هناك مجال كبير لموهبة مراهقة خام في خط هجوم يضم ليونيل ميسي ونيمار وكيليان مبابي.
وأوضح إيكيتيكي لاحقًا: “تطوّرت بسرعة كبيرة، لكنني تراجعت بنفس السرعة، لم يمرّ الجميع بهذه التجربة ولا أتمنى أن يمر بها أحد، فهي ليست سهلة”.
عرض عليه نادي آينتراخت مخرجًا من باريس سان جيرمان في صيف 2023، لكنه كان مترددًا في البداية، لأنه كان يائسًا لإثبات نفسه في باريس.
ومع ذلك، بعد أن لعب 9 دقائق فقط في النصف الأول من الموسم، وافق إيكيتيكي متأخرًا على الانتقال إلى دويتشه بانك بارك في يناير / كانون الثاني 2024، ولم ينظر إلى الوراء منذ ذلك الحين.
توهج في ألمانيا
تحسّن إيكيتيكي بشكل لافت في فرانكفورت. وكما قال بنفسه، انتقل من لاعب بديل إلى نجم في أقل من عام. تشكيله لشراكة هجومية قوية مع عمر مرموش كان عاملًا حاسمًا، لكن الأهم كان ما قدّمه بعد انتقال النجم المصري إلى مانشستر سيتي في يناير / كانون الثاني.
هناك، لمع نجم إيكيتيكي في دور القائد الهجومي، ورغم المخاوف المبررة من انهيار طموحات آينتراخت في التأهل لدوري الأبطال بعد رحيل مرموش، تحوّل الفرنسي إلى رأس الحربة الحقيقي.
شارك بشكل مباشر في 12 هدفًا بعد يناير/ كانون الثاني، أحرز منها 7 أهداف، ليقود فريق المدرب دينو توبمولر إلى المركز الثالث في نهاية الموسم.
في تلك اللحظة، أدرك المدير الرياضي ماركوس كروش أن بقاء “أحد أكثر اللاعبين إثارة في السوق الأوروبية” أصبح شبه مستحيل.
كل ما كان بإمكانه فعله هو تأمين أكبر عائد مالي ممكن من الصفقة، ويبدو أنه نجح في ذلك.
79 مليون جنيه إسترليني (106 ملايين دولار) رقم ضخم لمهاجم عديم الخبرة الدولية، دفع فيه آينتراخت 16.5 مليون يورو فقط (14 مليون جنيه / 19 مليون دولار) قبل 18 شهرًا.
صحيح أن داروين نونيز، حين انتقل إلى ليفربول، كان قد سطّر اسمه في دوري أبطال أوروبا، أما إيكيتيكي، فكل ما يملكه هو 4 أهداف في 4 مباريات أوروبية، دون أي ظهور مع المنتخب الفرنسي الأول.
لكنّ هذا لا يعني أبدًا أن ليفربول تعاقد مع “لاعب فاشل جديد”، بل العكس تمامًا.
هنري الجديد؟
بادئ ذي بدء، يتمتع إيكيتيكي بجميع الصفات التي يبحث عنها ليفربول في مهاجم متحرّك.
فهو لاعب رشيق ومراوغ، يجيد التراجع إلى العمق أو الانطلاق نحو الأطراف للاستفادة من سرعته ومهاراته المتنوعة في التعامل مع الكرة، ما يجعله خطرًا كبيرًا في الهجمات المرتدة. كما أن تحركاته الذكية تخلق مساحات لزملائه، تمامًا كما اعتاد روبرتو فيرمينو أن يفعل في أنفيلد على مدار سنوات.
بالطبع، هناك بعض المخاوف المنطقية بشأن قدرته على إنهاء الهجمات، إذ إن معدل تحويله للتسديدات إلى أهداف خلال الموسم الماضي كان مخيبًا للآمال وبلغ 14.3٪ فقط.
لكن هذه النسبة تعكس جزئيًا طبيعة المحاولات التي خاضها، إذ أن العديد منها جاءت من خارج منطقة الجزاء أو من زوايا صعبة، بعدما شُجّع على أن يكون أقل إيثارًا وأن يثق أكثر في نفسه ويسدد من أي مكان.
وفي المقابل، عندما ننظر إلى ما تُسميه Opta “الفرص الكبيرة”، نجد أن إيكيتيكي كان أكثر كفاءة، بنسبة تسجيل بلغت 43.2٪.
من الواضح أنه لا يزال يملك الكثير ليقدّمه، لكنه يدرك جيدًا نقاط ضعفه، وتسود قناعة متزايدة في فرنسا بأنه قد ينفجر في إنجلترا على طريقة تييري هنري.
لطالما قورن إيكيتيكي بأسطورة آرسنال بسبب طوله، ونحافته، وطريقة انطلاقه من الجناح الأيسر إلى قدمه اليمنى المفضلة.
لكن من حيث البنية، والأسلوب، وحتى الأرقام، فهو يشبه ألكسندر إيزاك أكثر من أي لاعب آخر. ولهذا السبب تحديدًا، لطالما اعتبره ليفربول البديل المثالي للمهاجم السويدي.
ميسي ومبابي
من الواضح أن إيكيتيكي لم يصل بعد إلى مستوى إيزاك، لكن النقطة المهمة هي أنه قد يصل إليه قريبًا، خاصة أنه لطالما أُشيد به لطريقة تفكيره بقدر ما أُشيد بتقنياته، حيث قال أحد أصدقائه: “يتمتع هوجو بعقلية كوبي براينت”.
واتفق أوسكار خارسيا، مدرب إيكيتيكي السابق في ريمس، على ذلك قائلًا: “هناك شيء مميز جداً في هوچو. إنه شاب يتمتع بصفات عديدة. كما أن لديه الكثير ليحسنه، لكنه يعمل بجد في التدريبات”.
لطالما كان كذلك. تميّز اجتهاده وتواضعه عندما كان طفلًا في كورمونترويل. عندما انتقل إلى الدنمارك، كان القلق يساوره من أنه قد يواجه صعوبات لأنه لم ينتقل إلى بلد جديد فحسب، بل في وقت كانت فيه قيود كوفيد-19 لا تزال سارية.
لكن مصدر مقرّب من المهاجم قال: “عندما فهم الوضع، نظر إلى وكيل أعماله وقال: ‘لا تقلق، سأتدبر أمري’. كان مجرد طفل، لكنه أظهر نضجًا كبيرًا”.
كانت القصة مشابهة في باريس سان جيرمان، ربما واجه صعوبات في الحصول على دقائق لعب، لكنه استغل كل ثانية قضاها في التدريب مع ميسي ومبابي.
وأوضح: “إنهما لاعبان فريدان. لا أحد يلعب مثلهما ولن يلعب مثلهما أحد”، كنت سأكون أغبى اللاعبين، وأغبى البشر، لو لم أتعلم شيئًا، وتعلمت الكثير من مشاهدتهما فيما يتعلق ببعض الأشياء الصغيرة أو طريقة تعاملهما مع الكرة، القيام بركضة وهمية، ثم القيام بركضة أخرى، كيليان ترك انطباعًا قويًا عليّ بذلك، كان ذلك مثيرًا للإعجاب، وعندما رأيت ذلك، قلت لنفسي إن هذا هو المستوى الذي أريد الوصول إليه”.
لقد منحه ليفربول فرصة رائعة لتحقيق ذلك، وعلى عكس نونيز، يتمتع إيكيتيكي بالموهبة والمزاج اللازمين للاستفادة من هذه الفرصة.