مع بداية يوليو/تموز 2007، بدأ الفرنسي هيرفي رينارد، المدير الفني الحالي للمنتخب السعودي، رحلته مع المنتخبات، بعد نحو 8 سنوات من التدريب في فرق مغمورة، سواء كمدير فني أو كمدرب مساعد.
رينارد تم تعيينه في ذلك الحين، مدربًا مساعدًا في الجهاز الفني لمنتخب غانا، بقيادة المدير الفني الفرنسي كلود لوروا.
غير أن هذه الرحلة لم تستمر طويلًا، حيث أقيل الجهاز الفني بالكامل بعد فترة قصيرة من خسارة بطولة كأس أمم أفريقيا التي أقيمت في غانا عام 2008، حيث احتل منتخب “النجوم السوداء” المركز الثالث.
ومنذ تلك الإقالة، لم يعرف رينارد، وظيفة المدرب المساعد مجددًا، حيث انتقل للعمل كمدير فني في السنوات التالية، وكان الجزء الأكبر من رحلته التدريبية مع المنتخبات، باستثناء تجارب قصيرة للغاية، مع اتحاد العاصمة في الجزائر، وسوشو وليل في فرنسا.
وعلى مدار تلك الرحلة التي تدخل عامها 18، خاض رينارد، تصفيات كأس العالم 4 مرات، لكنه لم يُوفق في أول تجربتين داخل أدغال أفريقيا، قبل أن يتحقق له النجاح في تجربتيه العربيتين مع منتخبي المغرب والسعودية.
زامبيا.. أول تعثر
في مايو/آيار 2008، أعلن الاتحاد الزامبي، تعيين رينارد مديرًا فنيًا للمنتخب الأول، خلفًا للمدرب المحلي باتريك فيري الذي قاد المنتخب لتوديع أمم أفريقيا 2008 من دور المجموعات.
وكان الهدف من تعيين رينارد واضحًا، وهو قيادة المنتخب في تصفيات كأس العالم 2010، حيث كانت المرحلة الثانية منها ستبدأ في الشهر نفسه.
المنتخب الزامبي وقع في المجموعة 11 رفقة سوازيلاند وتوجو، وحقق انتصارين وتعادلًا وهزيمة وحيدة، ليتصدر المجموعة ويتأهل إلى المرحلة الثالثة والنهائية من التصفيات.
غير أن الحظ العثر لفريق المدرب الفرنسي أوقعه في مجموعة نارية مع منتخبات مصر والجزائر ورواندا، في الوقت الذي يتأهل فيه متصدر المجموعة فقط إلى نهائيات كأس العالم 2026.
رينارد فاجأ الجميع ببداية نارية، حيث خطف التعادل من منتخب مصر بالقاهرة في الجولة الأولى، ثم فاز على رواندا بالجولة الثانية، ليقلب موازين المجموعة رأسًا على عقب.
غير أن هذه الصحوة لم تستمر طويلًا، حيث خسر منتخب زامبيا، المباريات الثلاثة التالية، بواقع مباراتين ضد الجزائر وأخرى أمام مصر، كما تعادل مع رواندا في الجولة الأخيرة، ليُنهي التصفيات في المركز الثالث، ويفشل في التأهل للمونديال.
ورغم الفشل في التأهل للمونديال، لكن رينارد استمر على رأس القيادة الفنية لمنتخب زامبيا حتى كأس أمم أفريقيا 2010 في أنجولا، حيث نجح في التأهل لربع النهائي لأول مرة منذ 14 عامًا، قبل الهزيمة من نيجيريا بركلات الترجيح.
زامبيا.. تعثر جديد
بعد نهاية بطولة كأس أمم أفريقيا، خاض المدرب الفرنسي تجربة قصيرة مع منتخب أنجولا، ثم مع فريق اتحاد العاصمة الجزائري، قبل أن يعود إلى منتخب زامبيا من جديد في نهاية عام 2011.
رينارد عاد من الباب الكبير، بعد أن قاد منتخب زامبيا للتتويج ببطولة كأس أمم أفريقيا لأول مرة في تاريخه، بعد مشوار تاريخي انتصر فيه على منتخبات عملاقة على غرار السنغال وغانا وكوت ديفوار.
وبعد 4 أشهر من نهاية أمم أفريقيا، وتحديدًا في يونيو/حزيران 2012، بدأ رينارد، رحلته الثانية مع منتخب زامبيا في تصفيات كأس العالم، وهذه المرة لنسخة 2014.
كالعادة، استهل رينارد، التصفيات، ببداية نارية، من خلال تحقيق فوزين مفاجئين على السودان وغانا، لكنه بعد ذلك تعادل مع منتخب ليسوتو بالجولة الثالثة، وهزمه في الرابعة، ثم تعادل مع السودان في الجولة الخامسة.
ودخل منتخب زامبيا، الجولة السادسة والأخيرة من المرحلة الثانية، وهو يحتل المركز الثاني في المجموعة الرابعة برصيد 11 نقطة، بفارق نقطة خلف منتخب غانا صاحب الصدارة، حيث كانا سيلتقيان على ملعب “النجوم السوداء”.
وفشل رينارد في تحقيق معجزة جديدة، فخسر هذه المرة بنتيجة 1-2، ليفشل في التأهل للمرحلة الثالثة والأخيرة من تصفيات كأس العالم عن قارة أفريقيا.
هذه المرة، قرر رينارد الرحيل من تلقاء نفسه، من أجل العودة إلى بلده الأم، لقيادة فريق سوشو في 2013، ثم منتخب كوت ديفوار في 2014، وليل في 2015.
المغرب.. عودة من بعيد
بعد هذه الرحلة، وجد رينارد ضالته في الوطن العربي، بداية من منتخب المغرب الذي تولى قيادته في 2016، قبل أشهر قليلة من بداية رحلته في تصفيات كأس العالم 2018.
مهمة رينارد لم تكن سهلة، فالمنتخب المغربي لم يكن قد تأهل إلى المونديال منذ 20 عامًا، عندما شارك في كأس العالم 1998 في فرنسا، وغادر من دور المجموعات.
ومما صعب مهمة المغرب تحت قيادة رينارد، قوة المجموعة التي وقع فيها، والتي ضمت كوت ديفوار والجابون ومالي.
وعلى عكس رحلتي زامبيا، بدأ ريناد، مهمته مع منتخب المغرب بشكل سيئ، حيث تعادل مع الجابون خارج ملعبه، ومع كوت ديفوار على ملعبه، لتتصعب مهمته في التأهل إلى كأس العالم بشكل كبير.
وما زاد الطين بلة، أنه بعد هاتين المباراتين، ودع “أسود الأطلس” كأس أمم أفريقيا 2017 من ربع النهائي على يد مصر، ليكون المدرب الفرنسي في وضع حرج.
لكن بعد هذه المصاعب، عاد منتخب المغرب من بعيد، ففاز على مالي والجابون على أرضه، وتعادل مع مالي خارج أرضه، ليدخل المباراة الأخيرة ضد كوت ديفوار وهو يتصدر المجموعة برصيد 9 نقاط، بفارق نقطة أمام “الأفيال”.
ورغم أن منتخب المغرب كان في حاجة للتعادل فقط للتأهل إلى نهائيات كأس العالم 2018، لكنه ختم التصفيات على أفضل ما يكون، وفاز عليه 2-0، ليعيد رينارد “أسود الأطلس” إلى المونديال بعد غياب 20 عامًا.
السعودية.. تأهل جديد
وبعد وداع كأس العالم 2018 من دور المجموعات، وكأس أمم أفريقيا 2019 من ثمن النهائي، انتهت رحلة المدرب الفرنسي مع منتخب المغرب، ليبدأ رحلة عربية جديدة، وهذه المرة مع المنتخب السعودي.
رينارد تولى المسؤولية في يوليو/تموز 2019، قبل شهرين من انطلاق المرحلة الثانية من تصفيات كأس العالم 2022 في قطر.
البداية كانت سيئة للمنتخب السعودي، حيث تعادل مرتين في أول 3 مباريات، لكنه عاد وفاز بالمباريات الخمسة التالية، ليتصدر المجموعة ويتأهل إلى المرحلة الثالثة والأخيرة.
ورغم أن المجموعة كانت صعبة، وضمت منتخبات قوية على غرار اليابان وأستراليا، لكن المنتخب السعودي اكتسحها منذ انطلاقتها، عندما فاز في 6 من أول 7 مباريات، وتعادل فقط مع منتخب الكانجارو خارج ملعبه.
الهزيمة الوحيدة التي تلقاها المنتخب السعودي، كانت من اليابان على أرض الأخير، ليتصدر المجموعة برصيد 23 نقطة، بفارق نقطة أمام “محاربي الساموراي، ويتأهل إلى نهائيات كأس العالم 2022 للمرة الثانية على التوالي، والسادسة في تاريخه.
مفترق طرق
بعد رحلة سريعة مع منتخب فرنسا للسيدات، عاد رينارد إلى المنتخب السعودي، لكنه لم يبدأ مشوار تصفيات كأس العالم كما اعتاد في المرات الأربعة الماضية.
المدرب الفرنسي وصل إلى “الأخضر” وقد فاز في مباراة وحيدة من أول 4 في المرحلة الثالثة والنهائية من التصفيات الآسيوية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2026، تحت قيادة سلفه الإيطالي روبرتو مانشيني.
هذه المرة لم ينجح رينارد في قيادة المنتخب السعودي لنهائيات المونديال بشكل مباشر، ولكنه وصل إلى الملحق الآسيوي المؤهل للبطولة، وفاز في مباراته الأولى على إندونيسيا 3-2.
والآن يخوض المدرب الفرنسي، مباراة العراق، غدًا الثلاثاء، وهو يمتلك خياري الفوز والتعادل، من أجل التأهل بشكل مباشر إلى نهائيات كأس العالم 2026، دون الاضطرار لخوض مرحلة أخرى في الملحق العالمي، ستكون حظوظه فيها أقل.
رينارد يتسلح بسجله العربي، بعد أن قاد المغرب والسعودية للتأهل إلى كأس العالم 2018 و2022، متمنيًا ألا يعود أدراجه لما عاناه في بداياته، عندما فشل في التأهل إلى مونديالي 2010 و2014 مع منتخب زامبيا.