لم يأتِ الختام صدفة، ولم يكن مجرد تتويج عابر، فقد كانت لحظة محسوبة، انتظرها طويلًا لاعب اختار أن يقاتل حتى آخر ثانية، حين ظن كثيرون أن القصة شارفت على نهايتها، كتب فصلها الأجمل بقدميه، واضعًا نهاية مختلفة لمسيرة دولية مليئة بالتحديات.
ذلك اللاعب هو عبد الرزاق حمد الله، الذي أسدل الستار على مسيرته الدولية مع منتخب المغرب قبل أيام قليلة بطريقة لم يكن يحلم بها أفضل من ذلك، بعد التتويج بلقب كأس العرب، محققًا حلمًا طال انتظاره.
مسيرة مليئة بالأشواك
رغم ما يمتلكه عبد الرزاق حمد الله من قدرات تهديفية استثنائية ومسيرة لامعة مع الأندية، فإن رحلته الدولية جاءت معقدة وصعبة إلى حد كبير.
أرقامه مع الفرق التي دافع عن ألوانها، سواء في الدوري السعودي أو غيره، وضعته دائمًا ضمن أبرز المهاجمين العرب والأفارقة، إلا أن هذا التألق لم يُترجم بالقدر نفسه على الصعيد الدولي.
عانى “الساطي” كما لقبته الجماهير من عدم الاستقرار مع منتخب المغرب، حيث ظل اسمه حاضرًا في دائرة الجدل أكثر من كونه عنصرًا ثابتًا داخل المنتخب.
الاستبعادات المتكررة، وتغير الأجهزة الفنية، إضافة إلى الخلافات التي نشبت في فترات مختلفة، جعلت مسيرته الدولية تتسم بالتقطع، رغم كونه واحدًا من أفضل الهدافين في جيله.
كما لعبت الإصابات دورًا سلبيًا في تعقيد مشواره مع المنتخب، إذ جاءت في توقيتات حاسمة حرمته من المشاركة في بطولات مهمة، وأفقدته فرصة تثبيت أقدامه داخل التشكيل الأساسي.
في المقابل، كان حمد الله يرد دائمًا داخل الملاعب مع الأندية، محققًا أرقامًا قياسية ومقدمًا مستويات مذهلة تؤكد موهبته الفريدة.
وسبق أن أكد حمد الله في تصريحات سابقة أنه عانى من العنصرية داخل المنتخب، سواء من بعض اللاعبين أو المدربين، وهو ما تسبب في خروجه من معسكر “أسود الأطلس” قبل أيام قليلة من انطلاق كأس أمم أفريقيا 2019، في واقعة أثارت جدلًا واسعًا آنذاك وألقت بظلالها على مستقبله الدولي.
ولم تتوقف معاناة النجم المغربي عند هذا الحد، إذ عبّر عن حزنه الشديد لعدم حجزه مكانًا أساسيًا في صفوف المنتخب خلال مونديال قطر 2022، رغم الإنجاز التاريخي الذي حققه المغرب بحصد المركز الرابع كأفضل إنجاز عربي وأفريقي على الإطلاق.
الغياب عن التشكيل الأساسي، ثم خروجه لاحقًا من حسابات المدرب وليد الركراكي بشكل مفاجئ، زاد من شعور اللاعب بالظلم، وأكد صعوبة مسيرته الدولية مقارنة بما قدمه من مستويات مذهلة مع الأندية.
أسد متمرد
ظل حمد الله مثالاً للأسد المتمرد داخل المستطيل الأخضر وخارجه، فهو لم يعرف يومًا الخضوع أو التنازل عن قناعاته.
تميز بشخصية قوية وقيادية، جعلته يرفض الرضوخ لأي ضغوط أو محاولات لتغيير طبيعته، محافظًا دائمًا على اعتزازه بنفسه وإيمانه بقدراته، مهما كانت الظروف.
حمد الله لم يُخفِ يومًا نظرته لنفسه كلاعب من طراز خاص، إذ أكد في أكثر من مناسبة أنه يرى نفسه الأفضل بين من يلعبون بجواره، لا بدافع الغرور، بل انطلاقًا من ثقة كاملة في موهبته وإمكاناته.
هذه الثقة كانت سلاحه الحقيقي، ودافعًا للاستمرار والتفوق، حتى في أصعب الفترات التي واجهها خلال مسيرته.
ورغم أن شخصيته المتمردة جلبت له الجدل في كثير من الأحيان، فإنها كانت أحد أسرار تميّزه، إذ انعكست على أدائه داخل الملعب، حيث ظهر كمهاجم لا يهاب المنافسين، ويبحث دائمًا عن القيادة وصناعة الفارق.
بذلك، تحول حمد الله إلى أحد أميز اللاعبين في جيله، ولاعب فرض اسمه بالأرقام والإنجازات، وبشخصية لا تعرف المساومة أو الانكسار.
الأمنية الأبرز
سبق وأن أكد عبد الرزاق حمد الله في تصريحات سابقة أن حلمه الأكبر كان دائمًا تحقيق لقب مع منتخب المغرب، معتبرًا أن التتويج بقميص “أسود الأطلس” يمثل ذروة أي مسيرة كروية.
ورغم الظروف الصعبة التي مرّ بها، وما واجهه من تحديات واستبعادات، ظل هذا الحلم يرافقه في كل محطة، مشددًا على أن حلمه الأبرز كان التتويج بإنجاز مع الأسود من أجل إسعاد الشعب المغربي.
فترة صعبة وإيمان كبير
قبل انضمامه إلى قائمة منتخب المغرب في كأس العرب، عاش حمد الله فترة صعبة للغاية مع نادي الشباب، حيث تعرض لإصابات متكررة أثرت على استمراره في الملعب، إضافة إلى مشاكل إدارية داخل النادي وتغيير متواصل في الأجهزة الفنية، ما خلق جوًا من عدم الاستقرار حوله.
رغم هذه التحديات الكبيرة، أصر طارق السكتيوي، المدير الفني للمنتخب، على ضم حمد الله إلى قائمة المنتخب، مؤمنًا بإمكاناته وقدرته على إحداث الفارق.
حتى في هذه البطولة، لم يتوقف حمد الله عن إثارة الجدل، بعدما تعرض للطرد في مواجهة عمان بالجولة الثانية، ولكنه نجح في استعادة نفسه سريعًا، وظهر كبديل ضد الإمارات في نصف النهائي، حيث سجل هدفًا في ثلاثية “الأسود”
سيناريو الحلم
حقق حمد الله السيناريو المثالي لحياته الرياضية مع المنتخب المغربي، بعد سنوات من المعاناة والاستبعادات والإصابات، جاءت اللحظة التي جمع فيها كل عناصر النجاح: مشاركته مع “الأسود”.. التتويج بالكأس.. تسجيل ثنائية في النهائي ضد الأردن.
هذا السيناريو لم يكن مجرد تتويج، بل تحقيق حلم طال انتظاره، وكسر سلسلة من العقبات التي واجهته على مدار سنوات طويلة، مؤكدًا أن الإصرار والثقة بالنفس قادران على تحويل الصعوبات إلى لحظات تاريخية لا تُنسى.
بهذه النهاية، كتب حمد الله فصلاً رائعًا في مسيرته، ليصبح رمزا للأسد المتمرد الذي لا يعرف المستحيل.



