هناك علاقة قوية تجمع البرتغالي كريستيانو رونالدو، قائد النصر، بالأرقام والإنجازات التاريخية، ولكنه على غير العادة لم يكن حاضرا في ليلة فوز “العالمي” على الأخدود (9-0) في ختام الجولة 31 من دوري روشن.
فوز النصر هو الأكبر في تاريخ دوري المحترفين، معادلا ما فعله جاره الهلال خلال مناسبتين سابقتين، خلال المباراة التي غاب فيها “صاروخ ماديرا” بغرض الراحة والابتعاد عن الضغوطات بعد الوداع الآسيوي والخسارة الصادمة من اتحاد جدة.
سيناريو متكرر
المثير في فوز النصر، هي الحالة الذهنية والفنية التي ظهر عليها أغلب اللاعبين، ولكنها حدثت بعد فوات الأوان، حيث فرط “العالمي” في العديد من الفرص للانقضاض على الصدارة طوال الموسم الجاري.
وخسر الفريق النصراوي جميع البطولات التي شارك فيها، بداية بالسقوط أمام الهلال في نهائي السوبر المحلي (1-4) ثم وداع دور الـ16 أمام التعاون (0-1) بكأس الملك.
فضلا عن الخروج الصادم من نصف نهائي نخبة آسيا على يد كاواساكي الياباني، قبل أن يسقط بعد أيام قليلة أمام اتحاد جدة بالجولة 30 في الوقت القاتل ليتبخر حلم المنافسة على لقب الدوري أيضا.
وبعد الخروج من الصراع، ظهر الفريق النصراوي بصورة مثالية أمام الأخدود، وكأنه هو المنافس الأول على اللقب، لدرجة أن جماهيره لم تتوقف عن الغناء والهتاف في المدرجات، بالإضافة للإشادة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويتشابه ما يحدث في النصر حاليا مع الموسم الماضي، حيث ظهر بصورة مثالية وقتها، بعد ضياع فرصة المنافسة على اللقب، وحقق انتصارات خيالية، رغم أنه لو لعب بمثل هذا الأداء من البداية، لتوج بجميع البطولات الممكنة.
توهج بدون رونالدو
المثير في مباراة الأمس، أن هجوم النصر، انفجر على مستوى التسجيل وصناعة الفرص، والتحركات المثالية، سواء للعمق أو الأطراف.
النصر كان على الورق يلعب بخطة (4-2-3-1)، لكن في حقيقة الأمر لم يتخل المدرب الإيطالي ستيفانو بيولي عن أسلوبه المعتاد (4-4-2)، وهو ما صرح به في المؤتمر الصحفي عقب المباراة، ولكن الفريق ظهر بشكل مختلف تماما عن السابق.
السنغالي ساديو ماني على وجه التحديد كان النجم الأول للمباراة بل الجولة بأكملها، بعدما سجل سوبر هاتريك للمرة الأولى في مسيرته، نتيجة تحرره من الأدوار الدفاعية والدخول في العمق بصورة أكبر.
أما الكولومبي الشاب جون دوران، فقد استعاد عافيته، بتسجيل ثنائية جديدة وتحركات مستمرة داخل وخارج منطقة الجزاء، بعد سلسلة من الانتقادات والتراجع، نتيجة الإهدار المستمر للفرص المحققة.
وجاء توهج الثنائي بهذه الصورة، في غياب رونالدو الذي كان يخطف الأضواء من الجميع، لرغبته الدائمة في تصدر المشهد، وتسجيل أكبر عدد ممكن من الأهداف.
هل أصبح عبئا؟
ظهرت بعض الأصوات التي تطالب برحيل رونالدو بعد الخروج الآسيوي، وارتفعت بشدة خلال الساعات الماضية، بعد التساعية التاريخية.
وتعتقد بعض الجماهير أن وجود رونالدو يمثل عبئا على الفريق، واستشهد أغلبهم بالفوز التاريخي خلال غيابه، مع توهج جميع اللاعبين.
صحيح أن مستوى رونالدو البدني ليس كالسابق مقارنة بعمر دوران تحديدا، فيما يتعلق بالسرعة والضغط على الخصم، ولكن في الوقت ذاته هو الهداف الأول للفريق في جميع البطولات، ويتربع على قمة ترتيب الدوري بـ23 هدفا.
النجم المغربي عبد الرزاق حمد الله، مهاجم الشباب الحالي وأسطورة النصر، أكد قبل أيام قليلة أن “من ينتقد رونالدو لا يفهم شيئا في كرة القدم، حيث قال: “هو هداف الفريق والدوري بأكمله، فماذا يفعل أكثر من ذلك؟”، منتقدا إدارة النادي في الوقت ذاته.
وسار يوسف خميس على نهج حمد الله، حيث قال: “كريستيانو هو شماعة الإخفاقات، وبعض زملائه لا يستحقون التواجد في النصر، وإذا كنت مسؤولا لن أسمح برحيله، بشرط تغيير المنظومة”.
لكن تصريحات خميس وحمد الله، جاءت مخالفة لآراء الجماهير وبعض الخبراء وصناع القرار، حيث قال طلال آل الشيخ، رئيس الشباب السابق: “الدون يبحث عن الأضواء على عكس بنزيما (قائد الاتحاد)، ويجب رحيله”.
فضلا عن حسين عبد الغني، لاعب النصر والأهلي السابق الذي أكد أن “بداية الإصلاح في العالمي ستبدأ بمغادرة اللاعب”، بالإضافة إلى علي الحبسي، حارس الهلال السابق الذي اتفق مع هذا الرأي.
النجم الأوحد
لا يمكن التقليل من أهمية رونالدو، والدور الذي لعبه مع جميع الأندية التي مثلها، لكن وجود لاعب بحجمه، يمثل دائما حالة من الضغط، لا يستطيع تحملها سوى أصحاب الشخصيات القوية.
وجود “الدون” مع النصر يعطي قوة كبيرة للخط الهجومي، في ظل قدرته على تحويل أنصاف الفرص إلى أهداف، ولكن قوة شخصيته، تجعله دائما يتصدر المشهد ويخطف الأضواء من الجميع.
تلك الشخصية تجعل بعض النجوم لا يستطيعون التكيف معه، لأن قوة حضوره تفرض على الجميع أن يكرسوا نفسهم لخدمته، وهو ما قد لا يتواءم أحيانا على المصلحة العامة في النهاية.
وبالتالي، يصبح رونالدو هو النجم الأوحد، وإذا تراجع مستواه في إحدى المباريات، تتوقف المنظومة بأكملها عن التهديف، وهو ما يحدث في النصر بصورة مستمرة.
ويدل ذلك على ضعف شخصية الفريق واللاعبين الذين يلعبون بجانبه، حيث لا يتمكنون من صناعة الفارق في الوقت الذي يغيب فيه التوفيق عن “الدون”، وخاصة دوران الذي عانى من اهتزاز واضح.
ماني كان يعاني من هذه الأزمة، ولكنه استفاق مؤخرا، لذا فيمكننا القول إن وجود رونالدو مهم لأي فريق، ولكنه يحتاج لتواجد أسماء تتمتع بشخصية قوية، تستطيع مساعدته، وصناعة الفارق في الوقت ذاته، خاصة بأوقات الحسم.
والواقع أن الفوز على الأخدود ليس مقياسا لحاجة النصر لرونالدو من عدمه، فهو فريق ينافس على الهبوط، بالإضافة إلى أن “العالمي” لم يعد لديه ما يخسره، لذا ظهر بهذا الشكل من خلال اللعب بدون ضغوط، وهو ما يدعم فرضية ضعف شخصية المنظومة.
وإذا نظرنا للموسم الماضي، فرونالدو كان الهداف الأول للفريق أيضا، وحقق الحذاء الذهبي للدوري، بتسجيل 35 هدفا وهو إنجاز غير مسبوق بتاريخ المسابقة، بالإضافة للمشاركة في فوز مماثل على أبها بنتيجة (8-0)، وسجل وقتها سوبر هاتريك.
وأكبر مثال على الحديث عن أهمية المنظومة، هو تأثير المشترك الذي أحدثه رونالدو خلال فترة وجود مع ريال مدريد، حيث سيطر على أوروبا طولا وعرضا، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، ولكن ما جعله ينجح بهذه الصورة، هي قوة شخصية النادي واللاعبين بالوقت ذاته.
ماذا عن النصر؟
بالنظر للوضع كاملا، فلا يمكن القول إن رونالدو يمثل عبئا على الفريق، فاللقب الوحيد الذي حققه النصر خلال الـ3 مواسم الأخيرة، جاء بأقدام “الدون” المتمثل في البطولة العربية، بعدما توج هدافا للمسابقة (6 أهداف)، منها ثنائية أمام الهلال في النهائي.
هذا بالإضافة لأرقامه الفردية المذهلة التي كان يجب استغلالها والاستعانة بها لتحقيق الألقاب، ولكن ما ظهر هو تراجع غريب في أوقات الحسم لأغلب اللاعبين والمدرب نفسه.
وخرجت تقارير صحفية خلال الفترة الأخيرة، تشير إلى أن رونالدو اشترط تغيير بعض اللاعبين والعمل على التخلص من عدة أسماء إدارية، من أجل الاستمرار وضمان النجاح في الفترة المقبلة.
وبالفعل، يحتاج النصر للتعاقد مع عناصر تمتلك شخصية قوية للمنافسة، وهذا لن يتحقق سوى بوجود مدير رياضي يرغب في مساعدة النادي على عكس الإسباني فرناندو هييرو الذي لم يقدم أي نجاحات منذ توليه المهمة.
رونالدو حدد عدة مطالب قبل بداية الموسم، أبرزها جناح أيمن وارتكاز ومدافع وحارس على أعلى مستوى، ولكن النادي تجاهل ذلك، بضم الفرنسي محمد سيماكان والحارس البرازيلي بينتو، حيث لم يقدما الإضافة المطلوبة.
وكان يمكن أن يتعاقد النادي مع أسماء أفضل لضمان النجاح ومساعدة الفريق، فضلا عن استكمال العبث الإداري برحيل البرازيلي أندرسون تاليسكا، أحد أفضل الأجانب في تاريخ النادي، والتعاقد مع دوران رغم وجود رونالدو
وبالتالي، فإن النادي يعاني من قرارات إدارية وفنية سيئة، يدفع ثمنها رونالدو الذي يعتبر النجم والهداف الأول للفريق، فإذا رحل سيكون هو الفائز وليس النصر.