عندما انضم كيليان مبابي إلى ريال مدريد في صيف 2024، كان يُنظر إليه كالقطعة الأخيرة في أحجية الفريق لاستعادة هيمنته الأوروبية والمحلية.
وإلى جانب فينيسيوس جونيور، النجم البرازيلي الذي أثبت نفسه كأحد أفضل اللاعبين بمركز الجناح في العالم، بدا أن ريال مدريد يمتلك هجومًا لا يُضاهى.
لكن بعد هزيمة مذلة بنتيجة 4-0 أمام باريس سان جيرمان في نصف نهائي كأس العالم للأندية 2025، ظهرت الحقيقة القاسية: المشكلة لا تكمن فقط في الخط الخلفي، بل تبدأ من قلب الهجوم، حيث فشل مبابي وفينيسيوس في أداء الأدوار الدفاعية المطلوبة، مما جعل الفريق يبدو منقوصًا عند فقدان الكرة.
أزمة الضغط.. مبابي وفينيسيوس تحت المجهر
في مباراة باريس سان جيرمان، كشفت الأرقام والتحليلات عن فجوة واضحة في أداء الثنائي الهجومي، حيث يُعتبر الضغط الدفاعي من المهاجمين عنصرًا حاسمًا في خطط تشابي ألونسو، المدير الفني الجديد لريال مدريد.
لكن مبابي وفينيسيوس لم يرتقيا إلى مستوى التوقعات في هذا الجانب، وبحسب بيانات الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، سجل مبابي 25 ضغطة دفاعية فقط لكل 90 دقيقة، بينما بلغت أرقام فينيسيوس 30 ضغطة، وهي أرقام متواضعة مقارنة بالشاب جونزالو جارسيا، الذي سجل 37 ضغطة في المتوسط، متفوقًا على جميع المهاجمين في البطولة باستثناء 4 لاعبي وسط.
هذا النقص في الضغط الدفاعي كان واضحًا في مباراة باريس، واستغل الفريق الباريسي، بقيادة عثمان ديمبلي وأشرف حكيمي، الفراغات التي تركها مبابي وفينيسيوس عند فقدان الكرة.
وضغط ديمبيلي، على وجه الخصوص، بقوة على قلب دفاع ريال مدريد، مما أدى إلى أخطاء كارثية من أنطونيو روديجر وراؤول أسينسيو، ساهمت في تسجيل الأهداف الأولى.
وركزت انتقادات الإعلام الإسباني، بأقلام المحللين فيسينتي أزبيتارتي وراؤول فاريلا في صحيفة وراديو “ماركا”، على هذا الجانب، حيث أشار أزبيتارتي إلى أن “اللعب بمهاجمين لا يدافعان يجعل المنافسة مستحيلة”.
بينما وصف فاريلا عقلية الثنائي بأنها “مسألة جينية وتربوية”، مؤكدًا أنهما “لن يضغطا أبدًا”.
ولا تعتبر هذه المشكلة جديدة، فتحت قيادة كارلو أنشيلوتي، لم يُطلب من مبابي وفينيسيوس بذل مجهود دفاعي كبير، لكن نظام ألونسو الجديد، الذي يعتمد على الضغط العالي والمرونة التكتيكية، يتطلب مشاركة جميع اللاعبين في استعادة الكرة.
وأمام فرق كبيرة مثل باريس سان جيرمان، أو حتى برشلونة الذي هزم ريال مدريد 4 مرات في الموسم الماضي بشكل قاسٍ، يصبح هذا النقص كارثيًا.
معضلة جونزالو جارسيا
في خضم هذه الأزمة، برز جونزالو جارسيا كنجم مفاجئ، فالمهاجم الشاب، البالغ من العمر 21 عامًا، قدم أداءً استثنائيًا في كأس العالم للأندية، حيث سجل 4 أهداف في 6 مباريات، متفوقًا على مبابي وفينيسيوس في الجوانب الهجومية والدفاعية.
وأشاد ألونسو بتضحية جونزالو الدفاعية وانضباطه التكتيكي، مشيرًا إلى أن “التزامه الدفاعي سمح للفريق بالحفاظ على التماسك”.
وفي مباراة ريد بول سالزبورج، أظهر جونزالو قدرته على الضغط العالي، والتحرك بانضباط، وخلق الانسجام مع زملائه مثل جود بيلينجهام، مما جعله خيارًا موثوقًا في نظام ألونسو.
وتوكد إحصائيات موقع الفيفا تفوق جونزالو، حيث سجل 155 ضغطة دفاعية في البطولة، متجاوزًا أرقام مبابي وفينيسيوس بفارق كبير.
هذا الأداء يضع ألونسو أمام معضلة حقيقية: كيف يمكن إقناع نجمين عالميين بحجم مبابي وفينيسيوس بتغيير عقليتهما وتبني أسلوب لعب يتطلب مجهودًا دفاعيًا؟ إذا فشل ألونسو في ذلك، قد يجد نفسه مضطرًا للاعتماد أكثر على لاعبين مثل جونزالو، الذين يجمعون بين الفعالية الهجومية والالتزام الدفاعي.
أزمة الخط الخلفي.. غيابات وأخطاء مكلفة
إلى جانب مشكلة الضغط الهجومي، يعاني ريال مدريد من أزمة واضحة في الخط الخلفي، تفاقمت في مباراة باريس بسبب غياب ترينت ألكسندر-أرنولد (إصابة) ودين هويسن (إيقاف).
اضطر ألونسو إلى اللعب بخط دفاع تقليدي مكون من 4 مدافعين، مما كشف عن ضعف في التحول من الدفاع إلى الهجوم.
ووقع أنطونيو روديجر، رغم قوته المعتادة، في أخطاء كارثية، بينما عانى راؤول أسينسيو من ضغط ديمبيلي، مما أدى إلى الهدف الأول.
وكان النظام التكتيكي المعتاد لألونسو، الذي يعتمد على 3 مدافعين وظهيرين هجوميين، فعالًا في مباريات سابقة، حيث سمح لفران جارسيا وألكسندر-أرنولد بصناعة الفرص والتسجيل.
لكن غياب هذين اللاعبين عن المساندة الهجومية، بعد إصابة أرنولد، واختناق جارسيا وسط المهام الدفاعية الثقيلة، وسرعات ديزيري دوي، جعل الفريق يبدو بلا توازن.
وقد تساهم عودة داني كارفاخال وإيدر ميليتاو في التخفيف من هذه المشكلة، لكنهما لا يزالان في مرحلة التعافي من إصابات طويلة الأمد.
كما أن وجود خيارات مثل هويسن، وأسينسيو، وأوريلين تشواميني في مركز قلب الدفاع يمنح ألونسو مرونة، لكن الأخطاء الفردية والافتقار إلى الانسجام ظهرا بوضوح أمام فريق منظم مثل باريس.
التحدي الحقيقي: مواجهة العمالقة
مع بداية الموسم الجديد، ومع حتمية مواجهة فرق قوية مثل برشلونة في الليجا، وعمالقة أوروبا في دوري الأبطال، يواجه ألونسو تحديًا كبيرًا في إعادة هيكلة عقلية فريقه.
ويعتمد برشلونة، الذي اكتسح الريال في الموسم الماضي في جميع البطولات (السوبر، والليجا، وكأس الملك)، على الاستحواذ والضغط العالي، وهو ما يستغل الثغرات التي يتركها مبابي وفينيسيوس.
وفي النهاية، إذا لم يتمكن ألونسو من إقناع نجميه بأهمية الضغط الدفاعي عند فقدان الكرة، فقد يستمر ريال مدريد في المعاناة، خاصة أمام الفرق الكبيرة، والمباريات الحاسمة للألقاب.