بعد الخروج المذل من كأس العالم للأندية على يد الهلال السعودي، يجد مانشستر سيتي نفسه أمام تحدٍ وجودي لاستعادة مكانته كقوة مهيمنة في كرة القدم الإنجليزية والأوروبية.
الفريق، الذي أنفق أكثر من 290 مليون جنيه إسترليني في سوق الانتقالات خلال 2025، يواجه لحظة حاسمة لإصلاح العيوب التي كشفت عنها الهزيمة المفاجئة.
بقيادة بيب جوارديولا والمدير الرياضي الجديد هوجو فيانا، يسعى السيتي لإعادة بناء فريق قادر على استعادة لقب الدوري الإنجليزي الممتاز وتحقيق طموحاته في البطولات القارية.
النكسة أمام الهلال لم تكن مجرد خسارة رياضية، بل جرس إنذار كشف عن ثغرات في التشكيلة، من تراجع أداء بعض النجوم إلى الحاجة إلى دماء جديدة في مراكز حيوية.
ومع اقتراب موعد افتتاح الموسم ضد وولفرهامبتون في 16 آب/أغسطس المقبل، يتعين على السيتي معالجة ستة تحديات رئيسية لضمان عودة قوية.
هذه التحديات تشمل تعزيز خط الدفاع، حسم مصير لاعبين رئيسيين مثل إيدرسون وجاك جريليش، وإيجاد فرص لتطوير المواهب الشابة مثل كلاوديو إيتشيفيري.
جوارديولا، المعروف بقدرته على تحويل الهزائم إلى دروس بناءة، يدرك أن الوقت ليس في صالحه. إنفاق 111 مليون جنيه إسترليني في حزيران/يونيو و180 مليون أخرى في كانون الثانى/يناير لم يكونا كافيين لسد الفجوات التي ظهرت بوضوح في كأس العالم للأندية.
وفيما يلي 6 مهام رئيسية يجب على إدارة مانشستر سيتي إنجازها قبل زيارة “الذئاب”:
1. تدعيم الجبهة اليمنى بظهير من النخبة
مع انضمام الجزائري ريان آيت نوري من ولفرهامبتون، بدأ جوارديولا يتخلى تدريجيًا عن فلسفة “الظهير المقلوب”، ويعود إلى 4 مدافعين صريحين، ما يفرض الحاجة إلى ظهير أيمن هجومي ومتين دفاعيًا.
ورغم أن تينو ليفرامنتو لاعب نيوكاسل يبدو الخيار المثالي، إلا أن ناديه يُظهر تصلبًا في موقفه، كما طارد السيتي لفترة النجم البرازيلي ويسلي من فلامنجو، قبل أن يتجه اللاعب نحو روما.
المفارقة أن مانشستر سيتي امتلك ثلاثة لاعبين في مركز الظهير الأيمن الموسم الماضي، لكن لا أحد منهم كان موثوقًا. كايل ووكر فقد مستواه، وانتهى به الأمر مُعارًا إلى ميلان ثم مُباعًا إلى بيرنلي. وريكو لويس، الذي كان يُنظر إليه كخليفة لووكر، أظهر عدم جاهزيته بدنيًا وفنيًا، وكانت أفضل لحظاته حين لعب كمتوسط ميدان.
أما ماتيوس نونيس، فقد كافح للاندماج في الدور الجديد، رغم مساهماته الهجومية (10 تمريرات حاسمة)، لكنه بدا مكشوفًا أمام الخصوم الكبار. النتيجة: الفريق لا يملك ظهيريْن أساسييْن في الوقت الحالي، وهذا خطر لا يحتمله نادٍ يسعى للفوز بكل شيء.
2. حسم مستقبل الحارس إيدرسون
إحدى أكثر القضايا إلحاحًا تتعلق بالمرمى. لم يكن إيدرسون، ولا بديله أورتيجا، في مستواهما الموسم الماضي، ويدخل كلاهما العام الأخير من عقديهما.
أخطاء إيدرسون في كأس العالم للأندية، خصوصًا تمريرته الكارثية التي أهدت يوفنتوس هدفًا، وسوء أدائه في رباعية الهلال، دقت جرس الإنذار.
ومع أنه نفى شائعات رحيله واصفًا إياها بـ”الأخبار الكاذبة”، فإن غياب العروض الجادة يترك مانشستر سيتي في موقف حرج.
إذا قرر النادي الإبقاء عليه، فعليه التحرك سريعًا لتجديد عقده وتثبيت وضعه. أما إن كان القرار هو البحث عن بديل، فيجب تسريع العملية، لا سيما أن السيتي بدأ بالفعل في مراقبة بدائل، ويُقال إنه تعاقد مع ماركوس بيتينيلي كخيار ثالث بعد رحيل سكوت كارسون.
غموض الموقف لا يخدم أحدًا، والأمن في هذا المركز مسألة تتجاوز المسألة الفنية إلى النفسية والثقة.
3. بيع جيمس مكاتي بالقيمة المناسبة
من المؤكد أن جيمس مكاتي، اللاعب الذي التحق بأكاديمية السيتي بعمر 11 عامًا، سيغادر هذا الصيف. ومع ازدحام خط الوسط بالمواهب، يبدو مستقبله خارج الاتحاد.
النقطة الأهم ليست في مغادرته، بل في كيفية تعظيم العائد المادي من الصفقة. بعد تألقه في بطولة أمم أوروبا تحت 21 عامًا، تتصاعد قيمته السوقية، ويأمل النادي في تكرار ما فعله مع كول بالمر الذي انتقل لتشيلسي مقابل 40 مليون جنيه إسترليني.
وقد ارتبط اسم مكاتي بفرق عدة منها آينتراخت فرانكفورت وبوروسيا دورتموند، بالإضافة إلى نوتنجهام فورست. سيتي يُريد على الأقل 40 مليونًا، خصوصًا أن اللاعب خاض مباريات أكثر من بالمر وقت رحيله، كما يملك خبرة موسم كامل في البريميرليج مع شيفيلد يونايتد.
البيع الذكي يُمثل انتصارًا مزدوجًا: ضخ مالي يُنعش الميزانية، وتخفيف ضغط المنافسة في التشكيلة.
4. الاستغناء عن المدافعين المصابين دائمًا
في نيسان/أبريل الماضي، أطلق بيب جوارديولا تصريحًا صريحًا بشأن ناثان آكي وجون ستونز، حين قال: “لا يمكن أن تعتمد على لاعب لا يشارك كل 3 أيام”. كانت تلك رسالة واضحة: الثنائي خارج خططه الأساسية.
الحقيقة بالأرقام تؤكد ذلك. ستونز شارك في 11 مباراة فقط في الدوري، منها 6 كأساسي. أما آكي، فقد خاض 10 مباريات، وتعرض لخمس إصابات أبعدته لـ166 يومًا.
رغم ما قدماه في موسم الثلاثية، إلا أن السيتي لم يعد يملك رفاهية الاحتفاظ بلاعبين “غير موثوقين”. ومع وجود روبن دياز، جفارديول، أكانجي، إضافة إلى الواعدين خوسانوف وفيتور ريس، فإن خط الدفاع يبدو جاهزًا لخوض الموسم من دون آكي وستونز.
بيع اللاعبين الآن سيُوفر راتبًا كبيرًا، ويفتح المجال لمزيد من المرونة المالية والبنائية.
5. إيجاد مخرج مناسب لجاك جريليش
رغم شعبيته الجارفة بين جماهير السيتي، فإن أيام جاك جريليش في مانشستر تبدو معدودة. مقاطع الفيديو التي أظهرت سهراته في حفل “أواسيس” مع الجماهير لاقت تفاعلًا كبيرًا، لكنها لم تُرضِ جوارديولا.
من الناحية الفنية، لعب جريليش 7 مباريات فقط كأساسي في الدوري الموسم الماضي، وتم تجاهله تمامًا في كأس العالم للأندية. بل إن جوارديولا لم يتردد في إعلان أفضلية الجناح سافينيو عليه علنًا، ما يُشير إلى أن قرار رحيله قد حُسم بالفعل.
تكمن المشكلة في راتبه الضخم (300 ألف جنيه أسبوعيًا)، وسعره المرتفع تاريخيًا (100 مليون في 2021). السيتي لن يحصل على نصف هذا الرقم حاليًا، لكنه يسعى لتقليص الخسائر وتحقيق مكاسب على الأقل من توفير راتبه السنوي الباهظ.
ما يحتاجه جريليش هو بداية جديدة في نادٍ يُعيد إليه الحافز، وما يحتاجه السيتي هو التخلص من إرث أصبح عبئًا فنيًا وماليًا.
6. إعارة إيتشيفيري لاكتساب الخبرة
سحر الجماهير الشابة بإبداعه في كأس العالم للأندية، لكن الإصابة التي لحقت بكلاوديو إيتشيفيري بعد أيام فقط من تألقه كشفت كم هو لا يزال بعيدًا عن الجاهزية الكاملة.
اللاعب الأرجنتيني البالغ من العمر 19 عامًا خاض 48 مباراة فقط مع ريفر بليت، وسجل 4 أهداف، مقارنة بجوليان ألفاريز الذي لعب أكثر من 120 مباراة وسجل أكثر من 50 هدفًا قبل انضمامه للسيتي.
المنطقي الآن هو إرساله إلى نادٍ أوروبي على سبيل الإعارة، حيث يشارك بانتظام ويعتاد وتيرة كرة القدم القارية. ومع زحمة المواهب في مركزه داخل السيتي، فإن إبقاءه في الفريق الأول قد يُعرقل تطوره.. هذه الخطوة ستُعيده أكثر نضجًا، وربما جاهزًا ليكون من أعمدة الفريق في 2026.
ورغم أن مانشستر سيتي لا يزال واحدًا من أقوى فرق أوروبا، فإن واقع التغيير يفرض نفسه. فـ”الثبات القاتل” بعد ثلاثية تاريخية، وكأس عالم مخيب، قد يكون العدو الأخطر.
تحديات السيتي الست ليست ترفًا، بل ضرورة. والإجابة عن هذه الأسئلة قد تُحدد ما إذا كان الموسم المقبل سيكون امتدادًا للعصر الذهبي، أو بداية رحلة الانحدار.