أشعل ليفربول سوق الانتقالات بصفقة ضخمة ومثيرة للجدل، حيث أعلن رسميًا عن ضم المهاجم الفرنسي الشاب هوجو إيكيتيكي من آينتراخت فرانكفورت مقابل 95 مليون يورو، شاملة المكافآت.
هذا الرقم الهائل يضع اللاعب البالغ من العمر 23 عامًا تحت مجهر التوقعات، خاصة بعد التجربة المؤلمة مع داروين نونيز، الذي كلف النادي ثروة دون أن يحقق النجاح المأمول.
فهل يمثل إيكيتيكي ضربة عبقرية على غرار تييري هنري، الذي تحول إلى أسطورة في الدوري الإنجليزي، أم أنه سيكون تكرارًا لخيبة نونيز التي لا تزال تلاحق جماهير أنفيلد؟
هذا الرهان الضخم يستحق التفكير العميق، حيث يحمل في طياته إمكانيات هائلة ومخاطر لا يمكن تجاهلها.
درس قاسٍ من الماضي
لنفهم أهمية صفقة إيكيتيكي، يجب أن نعود ثلاث سنوات إلى الوراء، إلى صيف 2022، عندما قرر ليفربول استثمار 75 مليون يورو لضم المهاجم الأوروجوياني داروين نونيز من بنفيكا.
في ذلك الوقت، كان نونيز يُنظر إليه كموهبة استثنائية، مهاجم طويل القامة، قوي البنية، وسريع، قدم موسمًا مذهلاً سجل فيه 34 هدفًا في 41 مباراة، منها 6 أهداف في دوري أبطال أوروبا، بما في ذلك هدفين أمام ليفربول نفسه في ربع النهائي.
وبدا أن ليفربول قد عثر على خليفة لروبرتو فيرمينو، لاعب يجمع بين القوة البدنية والحس التهديفي، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا، فسرعان ما تحول نونيز إلى رمز للفرص الضائعة، حيث كشفت مبارياته عن افتقاره للدقة أمام المرمى، وتكررت أخطاؤه في التسلل، مما جعل الجماهير تفقد صبرها.
خلال ثلاث سنوات، سجل 33 هدفًا فقط في 96 مباراة، وهو رقم مخيب للآمال بالنسبة للاعب كلف هذا المبلغ الضخم. أصبح نونيز هدفًا للسخرية، وتحولت صفقته إلى واحدة من أكثر الانتقالات خيبة في تاريخ النادي.
في ذلك الوقت، كان ليفربول قد درس ثلاثة مهاجمين شباب: “نونيز، ألكسندر إيزاك، وإيرلينج هالاند”، وبحسب إيان جراهام، مدير الكشافين السابق، كان هالاند خارج نطاق الإمكانيات المالية، فانحصر الاختيار بين إيزاك ونونيز.
واختار يورجن كلوب، المدرب آنذاك، نونيز بناءً على إمكانياته الهائلة، لكن هذا القرار ثبت أنه كارثي. بينما أصبح إيزاك نجمًا في نيوكاسل، مسجلاً 44 هدفًا في آخر 64 مباراة، ظل نونيز يكافح لإثبات نفسه، مما دفع ليفربول إلى محاولة التخلص منه هذا الصيف، رغم انسحاب نابولي من سباق ضمه.
موهبة واعدة أم لغز محيّر؟
على عكس نونيز، الذي وصل إلى ليفربول بسيرة ذاتية مليئة بالأهداف، يأتي هوجو إيكيتيكي بتاريخ متواضع نسبيًا، لكنه مليء بالإمكانيات، بدأت قصته في ريمس، حيث برز كموهبة واعدة بعد فترة إعارة ناجحة في فايل الدنماركي عام 2021.
وفي صيف 2022، اختار الانضمام إلى باريس سان جيرمان، وهو قرار وصفه لاحقًا بأنه “لا يُقاوم” للاعب فرنسي شاب. لكن وجود نجوم مثل ليونيل ميسي، نيمار، وكيليان مبابي جعل من الصعب عليه إثبات نفسه. لعب 9 دقائق فقط في النصف الأول من موسم 2023، مما جعله يشعر بالإحباط والتراجع.
وقال إيكيتيكي لاحقًا: “تقدمت بسرعة هائلة في ريمس، لكنني عدت بنفس السرعة إلى الوراء في باريس.. كانت تجربة صعبة، لكنها علمتني الكثير”.
وفي يناير 2024، قرر الانتقال إلى آينتراخت فرانكفورت، وهي خطوة أعادت إشعال مسيرته، وفي غضون أشهر، تحول من لاعب بديل إلى نجم الفريق، حيث سجل 7 أهداف وساهم في 12 هدفًا، وساعد فرانكفورت على احتلال المركز الثالث في الدوري الألماني.
أداؤه المذهل، خاصة بعد رحيل عمر مرموش إلى مانشستر سيتي، أظهر قدرته على قيادة الهجوم بمفرده، مما جذب أنظار ليفربول.
الأسلوب والإمكانيات
يمتلك إيكيتيكي كل ما يبحث عنه ليفربول في مهاجم مركزي متحرك، إنه لاعب أنيق، يجمع بين المراوغة، السرعة، والذكاء التكتيكي.
ويستطيع اللعب كمهاجم صريح أو على الأطراف، مستغلاً خفة حركته لخلق المساحات لزملائه، على غرار ما كان يفعله روبرتو فيرمينو في أنفيلد. هذه الصفات تجعله مثاليًا لأسلوب ليفربول السريع والهجومي، خاصة في الهجمات المرتدة.
ومع ذلك، هناك نقاط ضعف لا يمكن تجاهلها، نسبة تحويله للفرص بلغت 14.3% فقط في الموسم الماضي، وهو معدل منخفض نسبيًا يثير قلق الجماهير، خاصة بعد تجربة نونيز.
لكن إحصائيات أعمق تُظهر أن إيكيتيكي أكثر فعالية في الفرص الكبيرة، حيث بلغت نسبة نجاحه 43.2% وفقًا لإحصائيات أوبتا.
هذا يعني أن ضعفه في الإنهاء قد يكون نتيجة أسلوبه في اللعب، حيث كان يُشجع على التسديد من مسافات بعيدة أو زوايا صعبة. مع التوجيه المناسب، يمكن أن يتحسن هذا الجانب بشكل كبير.
مقارنة مع هنري: أمل أم مبالغة؟
في فرنسا، يُقارن إيكيتيكي غالبًا بتييري هنري، أسطورة آرسنال، بسبب قامته الطويلة، خفة حركته، وميله للعب على الجهة اليسرى باستخدام قدمه اليمنى.
لكن من الناحية الإحصائية والأسلوبية، يبدو ألكسندر إيزاك أقرب إليه. كلاهما يتمتع بمرونة تكتيكية، قدرة على المراوغة، وموهبة في خلق الفرص. هذا التشابه هو ما جعل ليفربول يراه بديلاً مثاليًا لإيزاك، الذي فشلوا في ضمه من نيوكاسل.
ومع ذلك، فإن إيكيتيكي لم يصل بعد إلى مستوى إيزاك، وهنا يكمن جوهر الرهان.. ليفربول يراهن على أن اللاعب الشاب، الذي لا يزال في بداية مسيرته، يمكن أن يتطور ليصبح نجمًا عالميًا. هذا الرهان يعتمد على موهبته الخام، لكنه يعتمد أيضًا على شيء أكثر أهمية: عقليته.
عقلية البطل
ما يجعل إيكيتيكي صفقة واعدة هو ليس فقط موهبته، بل عقليته القوية.. يُشبهه البعض بكوبي براينت بسبب تفانيه وإصراره على التطور، ويقول مدربه السابق في ريمس، أوسكار جارسيا: “هناك شيء مميز في هوجو. إنه لاعب شاب بجودة عالية، ويعمل بجد لتحسين نفسه يوميًا”.
هذه العقلية ظهرت بوضوح في تجربته الصعبة مع باريس سان جيرمان، فرغم قلة مشاركاته، استغل التدريب مع ميسي ومبابي لتعلم التفاصيل الدقيقة التي تصنع الفارق، وقال إيكيتيكي: “كنت سأكون أغبى شخص لو لم أتعلم منهما.. لقد ألهمني كيليان مبابي، وهذا هو المستوى الذي أطمح إليه”.
حتى في بداياته في كورمونتروي، أظهر إيكيتيكي نضجًا لافتًا عندما انتقل إلى فايل الدنماركي خلال جائحة كوفيد، كان الكثيرون قلقين بشأن قدرته على التأقلم لكنه أخبر وكيله: “لا تقلق، سأتدبر الأمر”.. هذا المزيج من الثقة بالنفس والعمل الجاد هو ما يجعل ليفربول يثق بأن إيكيتيكي يمكن أن ينجح حيث فشل نونيز.
فرصة ذهبية أم فخ جديد؟
لا يمكن إنكار أن مبلغ 95 مليون يورو يمثل مخاطرة كبيرة، إيكيتيكي لم يُثبت نفسه بعد في دوري أبطال أوروبا، حيث شارك في 4 مباريات فقط دون تسجيل أهداف، ولم يُستدعَ للمنتخب الفرنسي الأول.
بالمقارنة، كان نونيز قد قدم أداءً مميزًا في البطولات الأوروبية قبل انضمامه إلى ليفربول، لكن هذا لا يعني أن إيكيتيكي محكوم عليه بالفشل، على العكس، تجربته في فرانكفورت تُظهر أنه يمتلك القدرة على التألق عندما تُتاح له الفرصة.
المدير الرياضي لفرانكفورت، ماركوس كروشه، أدرك أن الاحتفاظ بإيكيتيكي “أحد أبرز اللاعبين في السوق الأوروبية”، كان مستحيلاً، ونجاحه في بيع اللاعب بمبلغ يقترب من 95 مليون يورو، بعد أن كلف فرانكفورت 16.5 مليون يورو فقط قبل 18 شهرًا، يُظهر القيمة التي اكتسبها اللاعب في وقت قصير.
لكن بالنسبة لليفربول، السؤال ليس فقط عن القيمة المالية، بل عن قدرة إيكيتيكي على تحمل ضغوط اللعب في أنفيلد، حيث التوقعات مرتفعة والصبر قليل.
ليفربول يقدم لإيكيتيكي فرصة ذهبية لإثبات نفسه على أكبر مسرح في كرة القدم الأوروبية، على عكس باريس سان جيرمان، حيث كان محاصرًا خلف نجوم كبار، سيكون لديه دور رئيسي في خطة الفريق، إلى جانب لاعبين مثل محمد صلاح وفلوريان فيرتز.
وإذا نجح في التأقلم مع إيقاع الدوري الإنجليزي وتحسين دقته أمام المرمى، فقد يكون الريدز قد وجدوا خليفة فيرمينو أو حتى نسخة جديدة من تييري هنري.. لكن إذا فشل، فقد يُضاف اسمه إلى قائمة الصفقات المخيبة التي تطارد النادي.
الفرق بين إيكيتيكي ونونيز قد يكمن في العقلية، بينما بدا نونيز مرتبكًا تحت الضغط، يُظهر إيكيتيكي نضجًا وثقة تجعله مستعدًا لتحمل المسؤولية، تجربته الصعبة في باريس، ونجاحه في فرانكفورت، تُظهر أنه يتعلم من إخفاقاته ويتطور بسرعة، وإذا استمر على هذا النهج، فقد يكون ليفربول قد عثر على جوهرة حقيقية.
صفقة إيكيتيكي ليست مجرد صفقة انتقال، بل هي اختبار لفلسفة ليفربول في بناء الفريق.. بعد خيبة نونيز، يحتاج الريدز إلى نجاح كبير لاستعادة الثقة في استراتيجيتهم. إيكيتيكي، بموهبته، أسلوبه، وعقليته، يمتلك كل المقومات ليكون النجم الذي يحلم به أنفيلد.
لكن الدوري الإنجليزي لا يرحم، والمبلغ الضخم يضع عليه ضغطًا هائلاً.. فهل سيكون تييري هنري الجديد، أم سينضم إلى قائمة الإخفاقات؟ الإجابة ستظهر قريبًا على أرض الملعب.