لم يكن أحد يتوقع أن يتحول بريق تشيلسي بعد تتويجه بكأس العالم للأندية إلى عبء ثقيل يجر الفريق إلى واقع مليء بالخيبات. فالفريق الذي أنفق ما يقارب ملياري جنيه إسترليني في عهد الملكية الجديدة، يقف اليوم أمام مرآة قاسية تعكس عيوباً لم يعد بالإمكان إخفاؤها.
المدرب الإيطالي إنزو ماريسكا يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع مصير قد يعصف بمشروعه مبكراً، وهو ما يجعل بداية الموسم الحالي أقرب إلى كابوس ممتد منه إلى حلم وردي.
أبرز ما كشفته الهزيمة الأخيرة 1-3 أمام برايتون هو انكشاف الدفاع. إصابة ليفي كولويل طويلة الأمد تركت ماريسكا يعتمد على ثنائي غير متجانس: تريفو تشالوباه الذي حاولت الإدارة بيعه في الصيف، وتوسين أديرابايو القادم بصفقة انتقال حر من فولهام.
ومع إصابة الأخير، اضطر المدرب لإشراك الثنائي الشاب جوش أتشيمبونج وجوريل هاتو، وكأن تشيلسي عاد إلى مرحلة “التجارب” لا المنافسة.
هذا الوضع كشف قصور الإدارة في سوق الانتقالات. فماريسكا نفسه كان قد طالب بمدافع جديد بعد إصابة كولويل، لكنه تراجع سريعاً أمام الصحافة، تاركاً علامات استفهام حول حجم النفوذ الذي يملكه بالفعل.
وفي المقابل، جاره اللندني آرسنال عزز صفوفه بمدافعين مثل هينكابي لزيادة العمق النوعي، وهو الفارق بين فريق يريد المنافسة على اللقب وفريق يبحث عن أعذار.
الحقيقة أن تشيلسي يمتلك عدداً وفيراً من المدافعين، لكن معظمهم يفتقد الخبرة أو الاستمرارية، فيما يغيب القائد القادر على قيادة الخط الخلفي تحت الضغط. وهذا ما جعل الفريق عرضة للانهيار بمجرد تعرض لاعب أو اثنين للإصابة أو الطرد.
ارتباك في الوسط
قد يكون خط الوسط هو المنطقة الأكثر تماسكاً، بوجود مويسيس كايسيدو كجدار ارتكاز، لكن حتى هذا الجدار بدأ يتصدع. اللاعب الإكوادوري نجا من الطرد أمام فريقه السابق برايتون بعد تدخل عنيف على فان هيكه، قبل أن تظهر لقطات جديدة تكشف محاولة اعتداء جسدي قد تعرّضه لعقوبة انضباطية من الاتحاد الإنجليزي.
غيابه المحتمل سيكون بمثابة ضربة جديدة، لأنه اللاعب الذي يوازن إيقاع الفريق ويمنح الحماية لدفاع مضطرب أصلاً. وحتى الحارس روبرت سانشيز، الذي بدا مطمئناً في مونديال الأندية، عاد ليثير القلق بعد خطأ قاتل وطرد ضد مانشستر يونايتد، ليعيد إلى الواجهة علامات الاستفهام حول قدرته على قيادة المرمى في المواعيد الكبرى.
هجوم عقيم
إذا كان الدفاع يعاني، فإن الهجوم لا يقل سوءاً. إصابة كول بالمر، نجم الفريق الأول وهدّافه الأبرز، شكلت كابوساً لماريسكا.
إصابة أخرى طالت ليام ديلاپ، فبقي تشيلسي بلا قوة هجومية حقيقية. الواعد إستيفاو ألهب المدرجات ببعض اللمحات، لكنه لا يزال مراهقاً يُطلب منه ما لا يُطاق: تعويض غياب نجم يقترب من مصاف الأفضل في العالم.
جواو بيدرو، الذي انطلق بقوة بداية الموسم، عاد مرهقاً بعد التوقف الدولي، فيما تعرض نيكولاس جاكسون للتهميش رغم أرقامه الجيدة لينتقل إلى بايرن ميونخ، وحتى مارك جويو، الذي أعيد من الإعارة، لم يحصل على دقيقة واحدة في الدوري.
على الجانب الأيسر، تبدو الخيارات أكثر إرباكاً: جارناتشو، جيتينز، ونيتو – لاعبون موهوبون، لكن لا أحد منهم يملك الجودة التي تُحدث الفارق.
هذا الخلل جعل تشيلسي أقرب إلى فريق يعتمد على “اللحظة الفردية” لا على منظومة هجومية واضحة. وما زاد الطين بلة هو أن الأهداف تأتي بشق الأنفس، وغالباً بعد جهد مبالغ فيه، ما يجعل أي غياب للاعب محوري كارثة كاملة.
نتائج خادعة
قد يشير البعض إلى الفوز على وست هام، أو القرارات التحكيمية التي عاندت الفريق أمام كريستال بالاس وفولهام، لكن هذه مجرد “مسكنات” تخفي المرض الحقيقي. فالأداء العام مهتز، والهوية غائبة، والجماهير لم تعد تقتنع بالحديث المتكرر عن المستقبل.
والآن، ومع اقتراب مواجهة ليفربول المتصدر في الدوري، بجانب لقاء بنفيكا بقيادة جوزيه مورينيو في دوري الأبطال، تبدو الضغوط على ماريسكا في ذروتها. أي تعثر جديد قد يضع الإدارة أمام تساؤلات قاسية حول مشروعها طويل الأمد.
تساءلت الجماهير: كيف لفريق أنفق قرابة ملياري جنيه أن يجد نفسه في مثل هذه الورطة؟ الإدارة تسوّق لفكرة بناء فريق للمستقبل، لكن الحاضر ينهار أمام الأعين. كانت الآمال أن يكون هذا الموسم نقطة انطلاقة نحو المنافسة على اللقب والعودة لدوري الأبطال كقوة ضاربة، لكن الواقع يكشف أن تشيلسي لا يزال يراهن على “الموهبة القادمة” لإنقاذه من الحاضر المظلم.
ماريسكا، الذي بدأ رحلته في ستامفورد بريدج كبطل عالمي، يجد نفسه اليوم محاصراً: من جهة جماهير غاضبة لا تحتمل الأعذار، ومن جهة أخرى إدارة تمطره بالمواهب دون أن توفر له التوازن المطلوب. قد يُنصفه التاريخ إذا تحقق الحلم بعد سنوات، لكن الحاضر يصرخ بأن تشيلسي يعيش أزمة هوية قبل أن تكون أزمة نتائج.