عين نادي بايرن ميونخ، الفائز بـ 34 لقبًا في الدوري الألماني وستة كؤوس أوروبية، مدرب بيرنلي، الفريق الذي هبط بشكل مقنع من الدوري الإنجليزي الممتاز فنسنت كومباني مدربًا للفريق في صيف عام 2024.
وكان قرار تعيينه من أكثر القرارات إثارة للدهشة على الإطلاق، حيث لا يمتلك سوى أربع سنوات فقط من الخبرة التدريبية، قضى إحداها في دوري الدرجة الثانية الإنجليزي، ولم يدرب أي مباراة في دوري أبطال أوروبا، وانتهت حملته الأوروبية الوحيدة بخسارة في تصفيات دوري المؤتمر الأوروبي.
لماذا كومباني تحديدا؟
كان موسمه الأول في “تيرف مور” تاريخيًا، بعدما جعل كومباني بيرنلي يلعبون كرة قدم هجومية ممتعة، فأكسبه الأسلوب الأنيق مقارنات مع مدربه السابق بيب جوارديولا، وتصدر بيرنلي دوري التشامبيونشيب، وفاز به برصيد 101 نقطة.
ربما كان من المفهوم أن الأندية الكبرى وأبرزها توتنهام أبدت اهتمامًا بكومباني، لكنه اختار التوقيع على صفقة طويلة الأجل لإبقائه في النادي حتى عام 2028، وبدا كل شيء مهيئا للنجاح بينما كان يخطط لحملة البقاء في دوري الأضواء.
لكن موسمه الأول في الدوري الإنجليزي الممتاز لم يسر وفقًا للخطة، ولم يتنازل كومباني أبدًا عن مبادئه الهجومية، وحاول أن يجعل بيرنلي يلعب نفس كرة القدم السلسة التي أسهمت في صعودهم في الموسم السابق، ولكن لم يفز الفريق سوى بخمس مباريات فقط في البريميرليج وأنهوا الموسم بـ 24 نقطة ليتأكد هبوطه.
الخيار الأخير
وصل كومباني إلى “أليانز أرينا” في وقت مضطرب، بعدما مر البايرن بفترة سيئة في بداية عام 2024 تحت قيادة توماس توخيل تركت البافاريين متأخرين عن باير ليفركوزن في سباق لقب البوندسليجا، وأعلن البايرن قبل 3 شهور من نهاية الموسم بأن ذلك هو الموسم الأخير لتوخيل، واعتقد بايرن أنه يمكن أن يحصل على بداية مبكرة في العثور على أفضل مرشح لتولي المسؤولية.
كان هدفهم الأساسي هو الرجل الذي كان يبتعد عنهم في صدارة الجدول، تشابي ألونسو، بعد أن تدرب تحت قيادة جوارديولا خلال فترة لعبه في ميونخ، كان الإسباني يحدث ضجة في “باي أرينا”، وقادهم في النهاية إلى دوري من دون هزيمة وأول لقب للبوندسليجا في تاريخهم.
صدم ألونسو، الذي كان مرغوبًا بنفس القوة من قبل ليفربول وبايرن، عالم كرة القدم في أواخر مارس/آذار عندما أعلن أنه سيبقى مدربًا لليفركوزن لموسم واحد على الأقل، ليترك بايرن يبحث عن خيارات أخرى، وتحولوا إلى جوليان ناجلسمان – الرجل الذي أقالوه قبل 12 شهرًا فقط، كان ناجلسمان قد تولى منذ ذلك الحين تدريب المنتخب الألماني في أواخر عام 2023، ولكن من دون عقد يبقيه في الوظيفة بعد يورو 2024، كان هناك سبب للاعتقاد بأنه سيكون منفتحًا للعودة.
ومع ذلك، مع تزايد التكهنات حول العودة خلال أبريل/نيسان، اتخذ ناجلسمان قرارًا بالتوقيع على صفقة للبقاء كمدرب لألمانيا حتى كأس العالم 2026. مع خروج الخيارين الأولين من المعادلة، عاد بايرن إلى نقطة الصفر.
بدأت الموجة الثانية من بحث بايرن، وتم تداول مجموعة من الأسماء كمرشحين محتملين. تم الحديث عن روبرتو دي زيربي بعد عامه المثير للإعجاب مع برايتون، بينما قيل إن أوناي إيمري كان شخصًا حريصًا مجلس إدارة بايرن على التحدث معه، فقط ليقوم الإسباني بتوقيع عقد جديد في أستون فيلا وهو يقترب من التأهل لدوري أبطال أوروبا، سيباستيان هونيس، مدرب فريق بايرن الرديف السابق الذي كان مشغولاً بقيادة شتوتجارت إلى مسابقة الأندية الأوروبية الممتازة، وقع أيضًا صفقة جديدة بمجرد أن ألقى بايرن نظرة في اتجاهه.
ومع حلول شهر مايو/أيار، بدا أن بايرن قد وجد أخيرا ضالته، حيث دخل مدرب النمسا والنجم السابق المثير للجدل لمانشستر يونايتد رالف رانجنيك في مناقشات مع النادي، على الرغم من أن مهندس كرة “الضغط المضاد” قد عانى في إنجلترا، إلا أن سمعته في ألمانيا لا تزال قوية، وقد قام بعمل جيد منذ دخوله التدريب الدولي.
ومع ذلك، ولأسباب شخصية، رفض رانجنيك الوظيفة، وتحول بايرن إلى أوليفر جلاسنر، ولكن قيل لهم من قبل كريستال بالاس إنهم سيضطرون لدفع 100 مليون يورو لانتزاع النمساوي من سيلهرست بارك بعد بدايته القوية مع “النسور”.
انتقادات
في بداية ولايته كمدرب لبايرن ميونخ، واجه فينسنت كومباني قدرًا كبيرًا من التشكيك والانتقادات، والتي كانت تعود بشكل كبير إلى هبوطه مع بيرنلي من الدوري الإنجليزي الممتاز، وعدم تدريبه ناد كبير واعتباره خيارًا أخيرًا بعد رفض المدربين تدريب البايرن.
وظهرت الانتقادات في حديث لوثار ماتيوس، نجم بايرن ميونخ والمنتخب الألماني السابق الذي صرح قبل تولي كومباني تدريب البايرن بحسب ما نقلت صحيفة “بيلد” الألمانية: “لكن حقًا، هل هذا هو شعور جميع المسؤولين في بايرن؟ لا أستطيع أن أتخيل أن جميع الرؤساء في بايرن ميونخ مقتنعون بكومباني، لكن الشيء الأكثر أهمية هو أن ماكس إيبرل بشكل خاص، مقتنع به، بالاشتراك مع كريستوف فرويند بالطبع إنها مخاطرة، لأن كومباني هو الآن مدرب لم يدرب الأندية الكبيرة من قبل، ولم يحقق النجاحات الكبيرة حقًا كمدرب”.
أما نجم كرة القدم الإنجليزية السابق جاري لينيكر فقال في تصريحات سابقة لـ”بي بي سي”: “بالتأكيد كومباني يمثل مخاطرة لأنه لا يمتلك الخبرة حقًا، أنت لا تحصل على بيب جوارديولا هنا، إنه لم يصل بعد إلى نهاية تطوره، أولاً كان مدربًا في بلجيكا ثم في بيرنلي”.
تغيير مؤثر
غير كومباني من نهج بايرن ميونخ تمامًا منذ توليه المهمة، حيث حرص من البداية على تقديم كرة قدم هجومية قائمة على الاستحواذ، بتفضيل كومباني أسلوب لعب يعتمد على الضغط العالي، والاستحواذ على الكرة، مع بناء هجمات منظم والتركيز على خلق الفرص من خلال التمريرات القصيرة واستغلال الأطراف والمساحات بين الخطوط.
كما أبدى مرونة خططية فعلى الرغم من البدء غالبًا بتشكيلة (4-2-3-1)، تظهر تشكيلات كومباني مرونة تكتيكية، حيث تتحول إلى طرق مثل (3-2-5) أو (2-3-5) في الهجوم، مع لعب مدافعين مثل دايو أوباميكانو وكيم مين جاي أدوارًا رئيسية في بناء اللعب.
وتحسنت الروح المعنوية والثقة في الفريق مع تركيز كومباني على تعزيز ثقافة إيجابية في غرفة الملابس وتقوية الرابط بين اللاعبين، ووفقًا لـ كارل هاينز رومينيجه، عادت روح الفريق تحت قيادة كومباني، مع تقدير اللاعبين لنهجه.
ويؤكد كومباني على خطوط الاتصال المفتوحة ويُفيد بأنه أكثر استعدادًا لشرح القرارات للاعبين على انفراد بدلا من انتقادهم علنًا، ووفقًا لـ ESPN، فقد ساهم هذا في انخفاض التسريبات الإعلامية مقارنة بالنظام السابق.
وأفادت التقارير أن لاعبين مثل دايو أوباميكانو وكيم مين جاي، اللذين واجها انتقادات تحت قيادة توخيل قد تحسنوا تحت توجيهات كومباني، كما منح الفرصة للاعبين مثل سيرجي جنابري وليون جوريتسكا اللذين كانا خارج الحسابات سابقاً.
وأدى كل ذلك إلى اقتناع جميع اللاعبين واحترامهم لنهج كومباني، مما أدى إلى نجاح البافاري في تجديد عقود العديد من النجوم الذين كانت تحوم الشكوك حول مستقبلهم وأبرزهم جمال موسيالا وجوشوا كيميتش ومانويل نوير، وكلل بايرن تلك النقلة الكبيرة على جميع الأصعدة بالتتويج بلقب الدوري الألماني الموسم الماضي.
مكاسب بالجملة
دخل البايرن الموسم الجاري بهدف اكتساح الأخضر واليابس، وبدا ذلك واضحًا بالفوز بأول 10 مباريات خاضها الفريق في جميع المسابقات، وهو رقم قياسي في تاريخ النادي لم يتحقق منذ صعوده للببوندسليجا للمرة الأولى منذ عام 1965.
ويتصدر بايرن ترتيب الدوري الألماني بالعلامة الكاملة بعد مرور 6 جولات، وعبر إلى الدور الثاني في كأس ألمانيا، ويتصدر ترتيب مرحلة الدوري في مسابقة دوري أبطال أوروبا بعد مرور جولتين بالعلامة الكاملة، كما توج بلقب السوبر الألماني.
وتوهج العديد من اللاعبين تحت قيادة كومباني، وأبرزهم هاري كين الذي توج بلقب هداف البوندسليجا في الموسمين الماضيين، وواصل توهجه هذا الموسم بعدما أصبح أول لاعب في تاريخ البوندسليجا يسجل 11 هدفًا في اول 6 جولات من المسابقة.
كما انفجر لويس دياز تحت قيادته في موسمه الأول، بتسجيله أسرع هدف في البوندسليجا هذا الموسم بعد مرور 15 ثانية أمام آينتراخت فرانكفورت، ويتصدر حاليًا قائمة أكثر اللاعبين صناعة للأهداف في الدوري الألماني برصيد 4 أهداف مناصفة مع أندريه إيليتش لاعب يونيون برلين
ويملك دياز في رصيده عشر مساهمات تهديفية في عشر مباريات، ومن حيث الأرقام ، فإنه يتفوق الآن بشكل كبير على أيامه الأولى في ليفربول، فبينما سجل هدفًا وقدم تمريرة حاسمة في أول عشر مباريات تنافسية له مع الريدز، لديه بالفعل عشر مساهمات تهديفية مع البافاري، وبالطبع يعود الفضل في ذلك إلى كومباني الذي تمكن من إخراج أفضل ما لديه.
ولم يتوقف دور كومباني على توهج كين ودياز وإعادة اكتشاف الثلاثي مين جاي وأوباميكانو وجوريتسكا، بل كان من المكاسب البارزة منذ الموسم الماضي الجناح الفرنسي مايكل أوليسيه، حيث سجل هذا الموسم 5 أهداف وصنع 6 آخرين في جميع المسابقات، بعدما سجل في موسمه الأول مع البايرن الموسم الماضي 20 هدفًا وصنع 23 آخرين في جميع المسابقات، ليتوج الموسم الماضي بجائزة أفضل لاعب صاعد في البوندسليجا ويتواجد في التشكيل المثالي للموسم، ليسكت كومباني كل الأصوات التي علت بانتقاده في بداية مهمته مع البافاري.