بين الوعد والوعيد، يقف الفرنسي هيرفي رينارد، مدرب المنتخب السعودي على حافة مصير مجهول، قبل خوض منافسات الملحق الآسيوي المؤهل لنهائيات كأس العالم 2026.
قبل عام تقريبًا، أعلن عودته للأخضر متسلحًا بقدراته الفنية والتكتيكية على إعادة هيبة الأخضر بعد سلسلة طويلة من الإخفاقات تحت قيادة المدير الفني الإيطالي السابق روبرتو مانشيني.
مهمة الملحق
من المقرر أن يستهل المنتخب السعودي مشواره بمواجهة إندونيسيا، مساء الأربعاء المُقبل في افتتاح مباريات المجموعة الثانية من الملحق الآسيوي على ملعب “الإنماء” في جدة.
وسيخوض “الأخضر” مباراته الثانية ضد العراق، يوم 14 أكتوبر/تشرين أول الجاري.
وتُقام هذه المنافسات في مدينة جدة بالسعودية خلال الفترة من 8 إلى 14 أكتوبر/تشرين الأول، تم تقسيم المنتخبات الستة المتأهلة للمحلق إلى مجموعتين، بواقع 3 في كل مجموعة.
ويصعد الأول مباشرةً من كل مجموعة إلى المونديال، في حين يلعب الوصيفان مباراة فاصلة، كي يتأهل منتخب واحد فقط لخوض الملحق العالمي.
وعد تاريخي
حين عاد رينارد لقيادة المنتخب السعودي في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، لم يكتفِ بحديث عام عن الأهداف والطموحات، بل قطع وعدًا صريحًا للجماهير بالتأهل إلى نهائيات كأس العالم.
ذلك التصريح رفع منسوب الحماسة والتفاؤل، لكنه في الوقت نفسه جعل أي تعثر لاحق يُحسب مضاعفًا عليه، لأن الجماهير لم تنسَ كلماته.
الوعد تحوّل إلى التزام يطارده في كل مباراة، ومع مرور الوقت بات بمثابة عبء ثقيل على كتفيه، في ظل هبوط مستوى أغلب اللاعبين بشكل عام.
لكن رينارد واصل تقديم الوعود للجماهير السعودية، حيث قال قبل مباراته الأولى مع أستراليا: “الأخضر يجب أن يتأهل للمونديال، فهذه العملية إذا لم تحدث من الباب فستتم من الشباك”.
وتعادل وقتها مع أستراليا خارج الديار بنتيجة (0-0)، وهو ما جعل الجماهير تعقد الكثير من الآمال عليه، قبل أن تصطدم بالواقع الأليم.
وكان يعتقد رينارد أن رجال الأخضر سيساعدونه على تطبيق أفكار، ولكنه اصطدم بسوء مستوى غريب.
هوية غير واضحة
على مدار الأشهر التالية، بدا المنتخب السعودي عاجزًا عن إظهار هوية فنية واضحة تحت قيادة رينارد.
فقد الفريق نقاطًا سهلة في مشوار التصفيات، وظهر الأداء باهتًا في كثير من المباريات، مما دفع الإعلام إلى التشكيك في جدوى عودته.
الجماهير التي كانت تنتظر بصمة فنية قوية، لم تر سوى سلسلة من الأخطاء التكتيكية والنتائج السلبية.
هذا التراجع جعل العلاقة بين المدرب والجماهير أكثر توترًا، ورسّخ صورة المدرب الذي يرفع الشعارات الكبيرة لكنه يعجز عن تطبيقها عمليًا.
نتائج صادمة
تسبب استمرار هبوط المستوى في نتائج صادمة، والتي يأتي على رأسها الفشل في التأهل المباشر للمونديال، ضمن المرحلة الثالثة من التصفيات.
واحتل رجال المدرب الفرنسي المركز الثالث برصيد 13 نقطة، خلف أستراليا صاحبة المركز الثاني (19) واليابان في الصدارة (23).
وخسر “الأخضر” مباراتين ضد إندونيسيا (0-2) وأستراليا (1-2)، بالإضافة إلى 3 انتصارات و4 تعادلات من ضمنها اثنين مع مانشيني.
وفي كأس الخليج العربي، ظهر المنتخب السعودي بصورة باهتة بوداع البطولة من الدور نصف النهائي، بسبب الخسارة (1-2)، بجانب السقوط في مستهل المشوار ضد البحرين (2-3).
انتقادات إعلامية وجماهيرية
منذ فشل رينارد في تحقيق نتائج مقنعة مع المنتخب السعودي، لم تتوقف سهام النقد الموجهة نحوه.
الإعلام الرياضي سلط الضوء على غياب الهوية الفنية وتكرار الأخطاء التكتيكية، معتبرًا أن المدرب الفرنسي لم يضف الإضافة المنتظرة رغم خبرته الكبيرة.
الجماهير بدورها لم ترحم، فامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بموجة من السخط، مطالبة برحيله ومشككة في قدرته على قيادة الأخضر إلى المونديال.
وبين هجوم الإعلام وغضب الجماهير، بدا أن رينارد يواجه عزلة حقيقية، وأن صبر الشارع الرياضي قد نفد بالفعل.
لكن في ظل الذي كان يتعرض له رينارد، عاد ليكرر تصريح التأهل من الشباك خلال شهر يوليو/تموز الماضي، متحديًا الجميع.
اللحظة الحاسمة
مع اقتراب خوض الملحق، ستكون المباراة الثانية للأخضر ضد العراق، يوم 15 أكتوبر الجاري، حيث يقف رينارد أمام الامتحان الأصعب منذ عودته.
المباراة ليست مجرد محطة في التصفيات، بل اختبار حقيقي لوعدٍ قطعه قبل 352 يومًا، فالفوز والتأهل سيُعيدان بعضًا من بريقه المفقود، وسيحولان الانتقادات إلى إشادة ولو مؤقتة.
أما الخسارة، فستعني أن الوعد قد تبخر، وأن رينارد عجز عن إنقاذ مشروع كان يُفترض أن يقود الأخضر إلى المونديال، فهي منافسة لا تحتمل الأعذار، ولا تقبل أنصاف الحلول.
مصير على المحك
إذا فشل رينارد في تحقيق الهدف، فإن الاتحاد السعودي لكرة القدم لن يتردد في إقالته بشكل رسمي، خاصة مع حجم الضغوط الجماهيرية والإعلامية المتصاعدة.
هذا السقوط لن يعني فقط نهاية مشواره مع الأخضر، بل سيؤثر أيضًا على مكانته التدريبية عالميًا، حيث ستُنظر تجربته مع السعودية كإخفاق جديد يضاف إلى سجله.
أما في حال نجاحه، فسوف يعيد كتابة قصته مع المنتخب من جديد، ويثبت أن الوعد التاريخي لم يكن مجرد كلمات عابرة، بل محطة حقيقية لصناعة إنجاز طال انتظاره.