شهدت العاصمة الإيطالية روما، اليوم الأربعاء، حدثًا بارزًا في كواليس كرة القدم الأوروبية، تمثل في حضور رئيس نادي برشلونة، خوان لابورتا، الجمعية العامة لرابطة الأندية الأوروبية (ECA) بدعوة خاصة، في خطوةٍ تعكس بوضوح حالة التقارب المتزايد بين النادي الكتالوني والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) بعد سنوات من التوتر بسبب مشروع “السوبر ليج”.
وصل لابورتا إلى العاصمة الإيطالية بعد ظهر اليوم برفقة نائبه رافا يوستي، وكان في استقباله رئيس الرابطة ناصر الخليفي، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس نادي باريس سان جيرمان، في مشهدٍ يحمل رمزية كبيرة لتطبيع العلاقات بين الجانبين بعد فترة من الجفاء الحاد.
ويأتي اللقاء بعد أيام قليلة من المواجهة الأوروبية التي جمعت برشلونة وباريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا، والتي شهدت حديثًا وديًا بين الرجلين على هامشها، ما فتح الباب أمام تكهنات بشأن تقارب تدريجي في المواقف بين الناديين.
مشروع السوبر ليج يترنح
ورغم أن برشلونة لا يزال خارج العضوية الرسمية لرابطة الأندية الأوروبية، فإن دعوة لابورتا لحضور الجمعية السنوية تمثل خطوة مهمة على طريق عودة النادي إلى المنظومة الأوروبية، وتشير إلى تقدم ملموس في المفاوضات الجارية بين الطرفين.
وإذا تم ذلك رسميًا في الأشهر المقبلة، فسيبقى ريال مدريد هو النادي الكبير الوحيد خارج الرابطة، والحامل الأخير لمشروع “السوبر ليج” الذي يسعى لإعادة هيكلة البطولات الأوروبية بعيدًا عن إشراف اليويفا.
خلال الاجتماعات التي بدأت أمس في العاصمة الإيطالية، جددت الأندية الأوروبية رفضها القاطع لمشروع “السوبرليج”، مؤكدة دعمها الكامل للاتحاد الأوروبي ولنظام دوري الأبطال الجديد الذي وُضع بالتعاون مع رابطة الأندية الأوروبية.
ويأتي هذا الموقف الموحد ضمن خطة اقتصادية شاملة تهدف إلى تعزيز عائدات المسابقات القارية من خلال شراكة جديدة بين شركة “UC3” و”ريليفنت سبورتس” الأمريكية المتخصصة في التسويق الرياضي.
“لا تغيير من خارج البيت الأوروبي”
وألقى رئيس الاتحاد الأوروبي، ألكسندر تشيفرين، كلمة افتتاحية أمام الحضور شدد فيها على وحدة الصف بين الأندية والاتحاد القاري، قائلاً: “هناك من يحاول تغيير النموذج القائم من الخارج، لكن أي تغيير حقيقي يجب أن يأتي من داخل البيت الأوروبي وبروح الوحدة”.
وجاءت تصريحاته دفاعًا عن النظام الجديد لدوري الأبطال، الذي يبدأ تطبيقه الموسم المقبل، بهدف رفع التنافسية والعائدات الاقتصادية دون الإضرار بتوازن اللعبة وعدالتها.
محادثات جانبية تفتح الباب نحو “مشروع ميامي”
في المقابل، من المنتظر أن يشارك لابورتا مساء اليوم في العشاء الرسمي الذي تنظمه رابطة الأندية الأوروبية، قبل أن يعود إلى برشلونة غدًا الخميس.
وأكدت صحيفة “ماركا” الإسبانية أن رئيس برشلونة استغل المناسبة لعقد سلسلة من المحادثات الجانبية مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي بشأن عدد من الملفات المشتركة، من بينها مشروع إقامة إحدى مباريات الفريق في الدوري الإسباني أمام فياريال في مدينة ميامي الأمريكية، وهي خطوة غير مسبوقة حظيت بموافقة مبدئية من اليويفا.
وتشير هذه التحركات إلى أن برشلونة يتبنى في المرحلة الراهنة استراتيجية جديدة قوامها “العودة إلى البيت الأوروبي” بعد سنوات من العزلة التي فُرضت عليه بسبب دفاعه عن مشروع “السوبرليج”.
ويبدو أن لابورتا يسعى لإعادة تموضع النادي بطريقة أكثر واقعية، تأخذ في الاعتبار المصالح الاقتصادية والمؤسسية للنادي الذي يعيش مرحلة مالية دقيقة تتطلب دعمًا خارجيًا واستقرارًا تنظيميًا على الصعيدين المحلي والدولي.
الحضور الإسباني في روما.. نفوذ متجدد في دوائر القرار
من ناحية أخرى، شهدت اجتماعات روما حضورًا إسبانيًا واسعًا، إذ سبق وصول لابورتا إلى مقر الجمعية العامة ميجيل أنخيل خيل، الرئيس التنفيذي لأتلتيكو مدريد وعضو اللجنة التنفيذية في كل من الاتحاد الأوروبي ورابطة الأندية الأوروبية.
كما شاركت أندية فياريال، أتلتيك بلباو، ريال سوسيداد، ديبورتيفو لاكورونيا، ريال بيتيس، وساحل أديخي تينيريفي، وهو ما يعكس الحضور القوي لكرة القدم الإسبانية في مؤسسات القرار الأوروبية.
وتؤكد مصادر مطلعة داخل الاجتماع أن عودة برشلونة المحتملة إلى رابطة الأندية الأوروبية قد تُعيد رسم موازين القوى داخل القارة العجوز، لا سيما في ظل استمرار عزلة ريال مدريد بعد انسحاب يوفنتوس من مشروع “السوبرليج” قبل عامين وعودتها رسميًا إلى عضوية الرابطة الأوروبية.
ويُنظر إلى هذه التطورات على أنها تحول استراتيجي في موقف برشلونة، إذ لم يعد من مصلحته المضي قدمًا في مشروع فقد زخمه السياسي والمالي، خاصة بعد أحكام المحكمة الأوروبية الأخيرة التي حدّت من فرص تطبيقه.
سلام أوروبي بعد سنوات من العاصفة
وفي الوقت الذي تواصل فيه المناقشات داخل أروقة روما حول مستقبل اللعبة وتوازن المصالح بين الأندية الكبرى والصغرى، تبدو خطوة لابورتا الأخيرة بمثابة إعلان غير مباشر عن نهاية مرحلة الصدام وبداية فصل جديد من الشراكة بين برشلونة والـ”يويفا”.
فالنادي الكتالوني الذي قاد حملة “الثورة على النظام الأوروبي” قبل أعوام، يعود اليوم إلى طاولة الحوار بعقلية أكثر براغماتية، مدركًا أن الاستقرار المالي والشرعية المؤسسية داخل المنظومة الأوروبية يمثلان مفتاح استعادة هيبته في القارة.
في المحصلة، يحمل مشهد لابورتا إلى جوار الخليفي وتشيفرين في قلب العاصمة الإيطالية رمزية خاصة، ليس فقط لعودة برشلونة إلى دائرة الحوار الأوروبي، بل لطي صفحة الصدام الذي هز كرة القدم القارية خلال الفترة الماضية.
ومع انكفاء مشروع “السوبرليج” وتفكك جبهته، يبدو أن برشلونة اختار أخيرًا طريق المصالحة، سعيًا إلى بناء مستقبل أكثر استقرارًا داخل البيت الأوروبي الذي طالما شكّل جزءًا من هويته التاريخية.