جيش كومباني لا يُقهر .. من يجرؤ على تحدي بايرن ميونخ؟ – الرياضة نت
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On YoutubeCheck Our Feed

جيش كومباني لا يُقهر .. من يجرؤ على تحدي بايرن ميونخ؟

يواصل بايرن ميونخ الألماني تقديم موسم استثنائي بكل المقاييس، في ظل الانطلاقة التاريخية التي يحققها تحت قيادة مدربه البلجيكي فينسنت كومباني، حيث لم يتذوق الفريق طعم الهزيمة منذ بداية موسم 2025-2026، محققًا سلسلة انتصارات متتالية تؤكد أن النادي البافاري يعيش واحدة من أكثر فتراته كمالًا في العصر الحديث.

ففي ست عشرة مباراة رسمية خاضها حتى الآن، خرج بايرن منتصرًا في جميعها، وهو إنجاز لم يسبقه إليه أي فريق في الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى. هذه الانطلاقة القياسية جعلت البعض يتساءل: هل بات الفريق الألماني بلا عيوب؟ وهل يستطيع كومباني بالفعل قيادة هذه الآلة المتكاملة نحو حصد جميع الألقاب الممكنة هذا الموسم؟

بداية مثالية وأرقام استثنائية

لم يكن بإمكان بايرن أن يحلم ببداية أفضل من هذه. في الدوري الألماني، حقق الفريق تسعة انتصارات متتالية، سجل خلالها 33 هدفًا واستقبل أربعة فقط، متربعًا على صدارة الترتيب بفارق خمس نقاط عن أقرب منافسيه لايبزيج. وفي دوري أبطال أوروبا، تابع مسيرته المذهلة بتحقيق أربعة انتصارات أخرى، سجل خلالها 14 هدفًا مقابل ثلاثة أهداف في مرماه، أمام خصوم من العيار الثقيل مثل تشيلسي وكلوب بروج وباريس سان جيرمان.

وجاء الفوز الأخير خارج الديار على ملعب “حديقة الأمراء” ليكرّس تفوق البافاريين على الصعيد الأوروبي، إذ تغلبوا على حامل اللقب باريس سان جيرمان رغم لعبهم بعشرة لاعبين طوال الشوط الثاني بعد طرد لويس دياز. وقد وصف قائد الفريق جوشوا كيميش ذلك اللقاء بأنه “أفضل شوط أول لبايرن منذ عشر سنوات”، في إشارة إلى النضج التكتيكي الهائل الذي بات الفريق يتمتع به.

إحصائيًا، يظهر بايرن بمستوى لا يُصدق: 56 هدفًا في 16 مباراة، بمعدل 3.5 هدف في المباراة الواحدة، مقابل 11 هدفًا فقط في شباكه. ولم يتأخر الفريق في أي مباراة أكثر من خمس دقائق خلال 1440 دقيقة لعب، في مؤشر على سيطرته المطلقة. أما هداف الفريق هاري كين، فيواصل أرقامه المذهلة بتسجيله 22 هدفًا حتى الآن في جميع المسابقات.

من صيف مضطرب إلى موسم مثالي

المفارقة أن هذه الآلة المتكاملة وُلدت من صيف لم يكن مطمئنًا لجماهير النادي. فخلال فترة الانتقالات، فشل بايرن في التعاقد مع أهدافه الكبرى، بعدما بقي نيكو ويليامز في أتلتيك بلباو، وانتقل فلوريان فيرتز إلى ليفربول، بينما اختار فيلتماد الانضمام إلى نيوكاسل يونايتد. كما خسر الفريق جهود بعض نجومه البارزين، مثل كينجسلي كومان المنتقل إلى النصر السعودي، وليروي ساني الذي غادر إلى جلطة سراي، وتوماس مولر الذي خاض تجربة جديدة في الدوري الكندي.

لكن الإدارة البافارية عوضت تلك الغيابات بتعاقدات نوعية، أبرزها الكولومبي لويس دياز القادم من ليفربول مقابل 70 مليون يورو، ليصبح ثالث أغلى صفقة في تاريخ النادي بعد هاري كين ولوكاس هيرنانديز. كما ضم بايرن المهاجم السنغالي نيكولا جاكسون على سبيل الإعارة من تشيلسي، وهو ما أضاف بعدًا هجوميًا إضافيًا إلى منظومة كومباني.

ورغم غياب جمال موسيالا بسبب إصابة قوية في كأس العالم للأندية الأخيرة، لم يتأثر الفريق كثيرًا، إذ تعوّض المجموعة غيابه بتناغم جماعي لافت، حيث برزت أسماء مثل جنابري، دياز، وأوليس، الذين يقدمون أداءً متوازنًا بين المهارة والفاعلية الهجومية والضغط المستمر على الخصوم.

أسلوب اللعب: بين الاستحواذ والتحولات السريعة

يُقدّم بايرن تحت قيادة كومباني كرة قدم هجومية منظمة وسريعة الإيقاع. فعلى عكس فلسفة الاستحواذ المطلق التي اشتهر بها النادي في بعض المواسم السابقة، اعتمد المدرب البلجيكي هذا الموسم على مزيج من السيطرة الذكية والانتقال السريع من الدفاع إلى الهجوم.

يتميز الفريق بقدرته العالية على التحول من وضعية الدفاع إلى الهجوم في ثوانٍ معدودة، بفضل الضغط المتقدم الذي يبدأ من الخط الأمامي، حيث يشكل كين ودياز وأوليس رأس الحربة في عملية استعادة الكرة مبكرًا، ما يخلق فرصًا متكررة أمام مرمى المنافسين.

ولا يكتفي بايرن بخلق الكثافة الهجومية فحسب، بل يتمتع أيضًا بتنظيم دفاعي متين يقوده الثنائي أوباميكانو وتاه، اللذان يقدمان مستويات رفيعة، في حين يُعد الظهيران جيريرو ولايمر من أبرز مفاتيح اللعب على الأطراف، مع جاهزية بدلاء مثل ستانيسيتش وبوي في انتظار عودة ألفونسو ديفيز الكاملة.

أما في خط الوسط، فيواصل الشاب بافلوفيتش تطوره اللافت، بجانب كيميش الذي يمثل رمانة الميزان الحقيقية في الفريق، مدعومًا بخبرة مانويل نوير في حراسة المرمى. وفي الهجوم، يعتمد كومباني على تنويع الأدوار بين المهاجمين، إذ يتحرك كين أحيانًا للخلف ليلعب دور صانع الألعاب، بينما يتبادل دياز وأوليس وجنابري المراكز باستمرار، في مشهد يعكس المرونة التكتيكية العالية.

مزيج من الشباب والخبرة

يبلغ متوسط أعمار لاعبي بايرن هذا الموسم نحو 26 عامًا، وهو مؤشر على توازن رائع بين الطاقة الشبابية والخبرة المتراكمة. فالفريق يضم أسماء شابة واعدة مثل كارل وبيشوف، إلى جانب ركائز الخبرة مثل كيميش ونوير، وهو ما خلق مزيجًا مثاليًا من الطموح والنضج داخل غرفة الملابس.

وبعد موسم 2024-2025 الذي شهد خسارة لقب الدوري لصالح باير ليفركوزن بقيادة تشابي ألونسو، عاد بايرن بقوة هذا العام لاستعادة عرشه المحلي، واضعًا نصب عينيه تعويض إخفاقه الأوروبي عندما ودّع دوري الأبطال من ربع النهائي أمام إنتر ميلان في الموسم الماضي.

ويبدو أن الفريق تعلم من تلك التجربة، إذ أصبح أكثر واقعية في التعامل مع مجريات المباريات، وأقل اندفاعًا في الهجوم مقارنة بالمواسم السابقة، ما منحه توازنًا أفضل بين الجمال الفني والفعالية الميدانية.

المخاطر والقيود المحتملة

رغم الصورة شبه المثالية التي يقدمها بايرن، إلا أن بعض الملاحظات تثير القلق في أفق طويل المدى. أولها أن أسلوب اللعب الذي يعتمد على الكثافة الهجومية العالية ووجود عدد كبير من اللاعبين في مناطق متقدمة، يفتح أحيانًا المساحات أمام المنافسين لشن هجمات مرتدة سريعة. ومع أن الفريق يمتلك خط دفاع قويًا، إلا أن بعض عناصره – مثل تاه ولايمر – لا يتميزون بسرعة كبيرة، ما قد يمثل ثغرة في مواجهة الفرق التي تعتمد على السرعة في الهجوم.

كما يظل مركز حراسة المرمى نقطة تساؤل رغم الأداء المميز لمانويل نوير. فالحارس المخضرم البالغ من العمر 39 عامًا يعيش فترة انتعاش لافتة بعد سلسلة من الإصابات، لكن عامل السن والإجهاد يطرحان علامات استفهام حول قدرته على الحفاظ على هذا المستوى حتى نهاية الموسم. أما البديلان أوربيج وأولرايش، فليسا على مستوى الثقة ذاته، ما قد يضع الفريق في موقف صعب حال حدوث طارئ.

إضافة إلى ذلك، فإن الزخم الكبير الناتج عن الانتصارات المتتالية قد يتحول إلى سلاح ذو حدين. فالسعي المستمر لتحطيم الأرقام القياسية واستمرار سلسلة الفوز قد يستهلك طاقة الفريق ذهنيًا وبدنيًا في مرحلة مبكرة من الموسم، وهي طاقة سيكون الفريق بحاجة إليها في المراحل الحاسمة خلال الربيع المقبل، حين تبدأ المنافسات الأوروبية في الاشتعال.

التحدي الأكبر: إدارة النجاح

يُدرك فينسنت كومباني أن الحفاظ على هذا الإيقاع العالي طوال الموسم يتطلب إدارة دقيقة للجهد والتحفيز. فمع حسم التأهل الأوروبي مبكرًا واقتراب الفريق من تأمين صدارة الدوري، سيكون عليه الموازنة بين الطموح والرغبة في الاستمرار في الانتصار، وبين الحاجة إلى تدوير اللاعبين والحفاظ على لياقتهم النفسية والبدنية.

ويمتلك بايرن تشكيلة عميقة وغنية بالعناصر القادرة على تحمل ضغط الموسم، إلا أن المنافسة الداخلية نفسها قد تخلق تحديًا آخر يتمثل في إبقاء جميع النجوم راضين ومتحفزين. فوجود لاعبين من طراز كين ودياز وأوليس وجنابري في خط واحد، يجعل مسألة التدوير الحساسة اختبارًا حقيقيًا لذكاء المدرب البلجيكي.

نحو موسم تاريخي.. ولكن بحذر

في الوقت الحالي، يبدو بايرن وكأنه يسير بخطى ثابتة نحو موسم يمكن أن يُخلد في ذاكرة النادي كأحد الأعوام الأكثر كمالًا وهيمنة. الفريق يمتلك كل المقومات: عمق في التشكيلة، تنوع في الحلول الهجومية، استقرار إداري، ومدرب يملك فلسفة عصرية تجمع بين الجرأة والواقعية.

ومع ذلك، فإن الطريق إلى حصد كل الألقاب ليس مضمونًا، خصوصًا في ظل منافسين أوروبيين يملكون طموحًا وإمكانات هائلة مثل ريال مدريد ومانشستر سيتي. لذا، فإن مهمة كومباني الحقيقية لن تكون فقط في الحفاظ على الانتصارات، بل في إبقاء فريقه في قمة تركيزه عندما يبدأ الموسم في بلوغ منعطفه الأصعب.

وربما تكون المفارقة أن العيب الوحيد الذي يمكن أن يواجه هذا الفريق المثالي، هو ذاته ناتج عن كماله المفرط: الضغط الذهني الناجم عن مطاردة الكمال نفسه. فبينما يسيطر بايرن على كل الجبهات، تبقى كرة القدم لعبة المفاجآت، حيث قد يُكلف لحظة تراخٍ واحدة ثمينة كل ما بُني خلال أشهر من الإبداع والسيطرة.

التصنيفات: الدوري الالماني,عاجل