في صيف اتسم بالتوتر والتمرد والبيانات العلنية، شهدت كرة القدم الأوروبية سلسلة من الانتقالات الصاخبة، بعدما قرر عدد من النجوم افتعال أزمات مع أنديتهم لإجبارها على بيعهم، بحثًا عن “مشاريع أكبر” وأدوار أكثر بروزًا.
لكن ما إن انتهى السوق وهدأت الضوضاء، حتى بدأت الحقيقة في الظهور مع بداية الموسم: أداء باهت، غياب للجاهزية، وصعوبات تكتيكية جعلت الوعود الكبيرة تتحول إلى خيبات متلاحقة.
ألكسندر إيزاك، فيكتور جيوكيريس، يوان ويسا، وتشافي سيمونز، أربعة لاعبين اختاروا الرحيل بطريقتهم الخاصة، لكن جميعهم يواجهون الآن بداية متعثرة تُعيد التساؤلات حول جدوى قراراتهم.
إيزاك.. صفقة قياسية وانطلاقة باهتة
أثار انتقال ألكسندر إيزاك إلى ليفربول ضجة كبرى بعد أزمة طويلة مع نيوكاسل. غاب اللاعب عن جولة فريقه التحضيرية متذرعًا بإصابة طفيفة، قبل أن يعلن رغبته بالرحيل ويتهم النادي بعدم الوفاء بوعوده. وبعد شد وجذب، وافق نيوكاسل في اليوم الأخير من السوق على بيعه مقابل 125 مليون جنيه إسترليني، في صفقة قياسية.
لكن البدايات جاءت مخيبة؛ ففي أول ثماني مباريات له مع ليفربول، لم يسجل إيزاك سوى هدف واحد في كأس الرابطة، دون أي مساهمة في الدوري أو دوري الأبطال. تراجعت نتائج الفريق معه إلى المركز الثامن، وازدادت الانتقادات من الجماهير التي انتظرت تأثيرًا أكبر من صفقة بهذا الحجم.
ويرى المتابعون أن مشاكل إيزاك ليست فردية بالكامل، إذ غاب عن فترة الإعداد تمامًا بعد ملحمة انتقاله، ما أثر على جاهزيته البدنية والانسجام مع الفريق. كما أن أسلوب المدرب آرني سلوت لم يمنحه الإمداد الكافي من الوسط، ليجد نفسه معزولًا أمام المرمى. تفاقمت الأمور بإصابته في الفخذ أمام آينتراخت فرانكفورت في أكتوبر، ليبتعد مجددًا عن الملاعب، ويزداد الجدل حول مدى قدرته على تكرار تألقه مع نيوكاسل.
جيوكيريس.. إصابة توقف الزخم
أما فيكتور جيوكيريس، فكان عنوانًا آخر للتمرد الصيفي. رفض سبورتينج لشبونة بيعه إلا بدفع الشرط الجزائي، لكن المهاجم السويدي أصر على الانتقال إلى آرسنال فقط، فغاب عن التدريبات وواجه عقوبات مالية، حتى تم التوصل إلى اتفاق نهائي مقابل نحو 63,8 مليون جنيه إسترليني.
غير أن البداية لم تكن على قدر الضجيج؛ ففي 14 مباراة بجميع المسابقات سجل جيوكيريس 6 أهداف فقط، بينها 4 في الدوري الإنجليزي. وعلى الرغم من إشادة ميكيل أرتيتا بحركته وتعاونه مع زملائه، فإن سجله التهديفي بدا متذبذبًا، خاصة في المباريات الكبيرة.
يرى المحللون أن الفارق بين أسلوب سبورتينج وآرسنال لعب دورًا رئيسيًا في تراجع فاعليته؛ فبينما كان النجم السويدي في البرتغال رأس الحربة الحر الذي يستغل المساحات، وجد نفسه في لندن محاصرًا داخل منظومة تعتمد على الاستحواذ والتمريرات القصيرة، ما قلل فرصه أمام المرمى.
كما أن إصابة في أوتار الركبة خلال نوفمبر، أوقفت الزخم الذي بدأ في استعادته. ومع ذلك، يظل تأثيره التكتيكي حاضرًا، إذ يجذب المدافعين ويفسح المساحات أمام زملائه مثل ساكا وإيزي.
ويسا.. بداية مؤلمة
قصة يوان ويسا مع نيوكاسل بدت أكثر مأساوية. اللاعب الكونغولي دخل في خلاف علني مع برينتفورد، متهمًا النادي بعرقلة انتقاله رغم وعود مسبقة بالسماح له بالرحيل، ونشر عبر وسائل التواصل ما قال إنه دليل على اتفاق مكتوب. وبعد رفض عرضين، أتم انتقاله مقابل 55 مليون جنيه إسترليني، لكن الحظ لم يمهله طويلًا.
فبعد أيام قليلة من الصفقة، تعرض لإصابة قوية في الركبة أثناء مشاركته مع منتخب الكونغو الديمقراطية، في تصفيات كأس العالم ضد السنغال، ما حرمه من الظهور الأول مع نيوكاسل حتى الآن.
تعددت الانتكاسات في رحلة تعافيه، وتأجلت عودته أكثر من مرة. ومع بداية نوفمبر بدأ تدريبات خفيفة على العشب، لكن المدرب إيدي هاو أكد أنه يحتاج إلى استعادة لياقته الكاملة، قبل الانضمام إلى المجموعة.
سيمونز.. موهبة حبيسة الخطة
أما تشافي سيمونز، الذي قرر مغادرة لايبزيج بعد فشل الفريق في التأهل لدوري الأبطال، فقد واجه بداية أكثر تعقيدًا مع توتنهام. اللاعب الهولندي أزال اسم ناديه السابق من حساباته ورفض التدرب بدعوى الإصابة، قبل أن ينتقل إلى السبيرز مقابل 60 مليون يورو.
ورغم موهبته الكبيرة، لم يتمكن من ترك بصمة تُذكر مع فريقه الجديد؛ إذ خاض 14 مباراة في جميع المسابقات، اكتفى خلالها بصناعة هدفين فقط دون أي تسجيل. يعود ذلك إلى صعوبة تأقلمه مع القوة البدنية وسرعة الإيقاع في الدوري الإنجليزي، فضلًا عن استخدامه في مركز الجناح الأيسر، بدلاً من موقعه المفضل كصانع ألعاب حر خلف المهاجمين.
تحت قيادة المدرب توماس فرانك، أصبح توتنهام أكثر تحفظًا دفاعيًا وأقل تحررًا هجوميًا، ما حرم سيمونز من المساحات التي يحتاجها للتعبير عن موهبته. وباتت لمساته محدودة أمام الفرق التي تضغط بقوة، وتغلق عليه المساحات، في مشهد يذكر بأن الانتقال إلى “دوري الأحلام” لا يضمن دائمًا النجاح.



