المرحلة الأولى من التغيير الجذري في مانشستر يونايتد أصبحت واقعا.. 450 موظفاً فقدوا وظائفهم في واحدة من أكبر عمليات إعادة الهيكلة في تاريخ النادي، وتغيير شبه كامل في الإدارة العليا، مع قرارات جذرية نُفذت بسرعة متعمدة لتقليل فترة القلق والاضطراب الداخلي. بعد موجة الخروج الجماعي، بدأت مرحلة إعادة البناء.
عندما اشترى الملياردير البريطاني السير جيم راتكليف حصة تبلغ 27.7% من أسهم مانشستر يونايتد في عيد الميلاد عام 2023 مقابل 1.25 مليار جنيه إسترليني، تعهد بإعادة النادي إلى قمة الكرة الإنجليزية، وجعله في الوقت نفسه مشروعا مربحا.
لكن الأرقام كانت صادمة؛ فالنادي خسر 113.2 مليون جنيه حتى 30 يونيو/حزيران 2024، ما دفع راتكليف للتحذير في مارس/آذار التالي من أن النادي “قد يعلن إفلاسه بحلول عيد الميلاد” إذا لم تُتخذ إجراءات فورية.
على أرض الملعب، كانت التغييرات واضحة: تم استبدال المدرب إيريك تين هاج بالبرتغالي روبين أموريم، وتم استثمار أكثر من 450 مليون جنيه في تدعيم الفريق، وتم ضخ 50 مليوناً لتجديد مركز التدريبات في كارينجتون.
لكن الزلزال الحقيقي كان خلف الكواليس. رأى المقربون من الإدارة الجديدة أن النادي “متضخم بشكل مفرط”، إذ يوجد عدد كبير من الموظفين والوظائف غير الضرورية. كما اكتشفوا أن النظام المالي لليونايتد يعتمد على المشاركة الدائمة في دوري الأبطال أو الفوز بالبريميرليج، وأن أي فشل يُحدث ضغطاً هائلاً على الميزانية.
ولذلك، كان تقليص عدد الموظفين أمراً قاسيا لكنه حتمي. فخلال الأشهر الأولى من دخول راتكليف، تم تسريح 250 موظفاً، تبعهم 200 آخرون في الجولة الثانية من التقليصات. الهدف كان بناء نموذج توظيف أكثر مرونة واستثمار الموارد البشرية بطريقة أكثر كفاءة.
أبرز ملامح التغيير جاءت في مجال تحليل البيانات. ففي مقابلة مع مجلة “يونايتد وي ستاند” نهاية عام 2024، وصف راتكليف نظام التحليل في النادي بأنه “ينتمي إلى القرن الماضي”.
ولذلك استعان بخبير من عالم الفورمولا 1، مايكل سانسوني من فريق مرسيدس، ليقود قسم البيانات في النادي. ومنذ قدومه في أبريل/نيسان 2025، أعاد سانسوني بناء النظام من الصفر، وأصبح التحليل الرقمي جزءا أساسيا من الأداء والتدريب والاستقطاب.
أحد المصادر داخل النادي أكد أن أداء قسم التحليل “قفز إلى مستوى يجعله بين أفضل أربعة فرق في أوروبا”، رغم أن التفاصيل الدقيقة تبقى سرية للغاية.
إلى جانب تخفيض الأعداد، ركزت الإدارة على توظيف أشخاص “متعددين المهارات” يمكنهم المساهمة في أكثر من مجال.
قائمة التعيينات العليا في أولد ترافورد تضم 19 اسما جديدا، تشمل المدير التنفيذي عمر برادة القادم من برشلونة ومانشستر سيتي، ومدير الأعمال مارك أرمسترونج من باريس سان جيرمان، ومدير الأداء سام إيريث من سيتي وتوتنهام، ومدير الاستقطاب كريستوفر فيفيل من تشيلسي ومجموعة ريد بول.
كما تم تعيين روجر بيل (من مجموعة إينيوس) مديرا ماليا، وكيرستين فيربر من القناة البريطانية الرابعة مديرة للموارد البشرية. بالإضافة إلى مدير جديد للطب الرياضي، وطبيب للفريق الأول، وأخصائي تغذية، وطاهٍ متخصص في أداء اللاعبين، ومدير للأكاديمية، ومدير للإعلام.
شخصيتان بارزتان فقط بقيتا من العهد القديم: كوليت روش ومارتن موسلي.
روتش، الرئيسة التنفيذية للعمليات، تقود مشروع بناء ملعب جديد بسعة 100 ألف متفرج وتطوير منطقة أولد ترافورد. أما موسلي، الذي انضم للنادي عام 2007، فيشغل حالياً منصب المستشار القانوني العام بعد رحيل باتريك ستيوارت إلى نادي رينجرز.
وجودهما يُعتبر حلقة وصل ضرورية بين حقبة جليزر السابقة والإدارة الجديدة، خصوصاً بينما يتعرّف القادمون الجدد على حجم النادي وتعقيداته التشغيلية.
لم تكن كل التغييرات ناجحة. أحد أبرز الإخفاقات تمثل في تجربة دان آشوورث، المدير الرياضي الذي جاء من نيوكاسل مقابل 3 ملايين جنيه كتعويض، لكنه غادر بعد خمسة أشهر فقط.
ورغم نفي وجود خلاف حول اختيار أموريم، إلا أن مصادر داخل النادي أكدت وجود “اختلاف في الرؤية” حول مهام منصب آشوورث، ما أدى إلى رحيله مع دفع تعويض إضافي يُقدّر بـ 4 ملايين جنيه.
وبعد مرور نحو عامين على دخول راتكليف، تحوّل مانشستر يونايتد إلى مؤسسة مختلفة تماما.
الخسائر الهائلة تقلصت من 113 مليوناً إلى 33 مليون جنيه حتى يونيو/حزيران 2025، مع توقعات بأن النادي سيحقق أرباحاً في السنوات المقبلة.
عائلة جليزر ما تزال تملك نفوذاً في الإدارة، لكنها أصبحت أقل ظهورا، بينما يتركز القرار حالياً في يد راتكليف وفريقه القيادي.
ويؤكد المطلعون داخل النادي أن التركيز الآن لا ينحصر في “ما سيحدث الأسبوع المقبل أو في سوق الانتقالات المقبل”، بل يمتد إلى الرؤية متوسطة وطويلة المدى.
الهدف القصير هذا الموسم هو العودة إلى المنافسة الأوروبية، لكن الأهداف الكبرى تتمثل في العودة الدائمة للمنافسة على البريميرليج ودوري الأبطال.
وبهذه الرؤية الصارمة والتحول الجذري، يعيش مانشستر يونايتد واحدة من أجرأ فتراته الإدارية في تاريخه الحديث، بين طموح لاستعادة المجد وهيكلة جديدة تأمل أن تضع النادي مجدداً في صدارة أوروبا والعالم.



